ما في خاطري: التجربة الهولندية
في هولندا وفي شركة "نام" لإنتاج النفط والغاز بالتحديد كنت جالساً أتناول أطراف الحديث مع إحدى الزميلات هناك، وفي أول يوم عمل لي سألت زميلتي ماريكا: ما طبيعة العمل هنا؟ وكم عدد الساعات المطلوبة من كل موظف؟ فلم تستوعب سؤالي، فكررتُ السؤال! فردت عليّ: نحن عادةً نأتي إلى العمل في التاسعة صباحاً ونغادر متى نشاء، فالشركة لا تغلق أبوابها حتى السادسة مساء، وأنت تستطيع أن تأتي في الوقت الذي تختاره وتذهب في الوقت الذي تريد، فالساعات التي تقضيها مقرونة بإنجازك، وأنا اليوم سأخرج مبكراً لأن لدي بعض الالتزامات خارج العمل، ومسؤولي لديه الثقة بأنني سوف أنجز أعمالي لاحقاً، فضحكت أنا، وكانت علامات الاستغراب تملأ وجهي، وقلت لها: هل تعلمين يا ماريكا أن بعض الوزارات في الكويت تلزم العامل أن يبصم في الحضور والانصراف! فاستغربت وردت علي: حقاً... أنا أول مرة أسمع بأمر مثل هذا! لا، نحن نختلف عنكم كثيراً!وبعد فترة قضيتها هناك للتدريب في شركة "نام" التي تعتبر من أكبر الشركات العالمية تيقنت أن ما قالته لي ماريكا كان سليماً، فشاهدت الموظفين يقومون بأعمالهم على أكمل وجه، وفي الوقت الذي يختارونه وفي الساعات التي يحددونها، وشاهدت بعضهم يخرج مبكراً والبعض الآخر يجلس حتى وقت متأخر، وجميعهم ينجزون أعمالهم على أكمل وجه، بل الأكثر من ذلك أن الموظفين هناك لديهم القدرة على الجلوس في البيت لإنجاز بعض الأعمال التي لا تقتضي الحضور للعمل! ولمست الثقة المتبادلة بين الرئيس والمرؤوس، فلم أجد جهاز البصمة معلقاً على باب الشركة، ولم أجد صفحة توقيع الحضور والانصراف موجودة عند مكتب المسؤول، ولم أجد المسؤول يتمشى ليتفقد الموظفين في مكاتبهم، ولم أجد المكاتب المغلقة التي تستلزم أخذ موعد لفتحها للتحدث مع المسؤول، كل هذه السلوكيات التي كنت أشاهدها في الكويت يومياً لم أرها هناك.
لذلك يجب أن تعلم عزيزي المسؤول أن اقتران الإنتاجية بساعات العمل أمر خاطئ، وليس مجديا، وأن الثقة المتبادلة هي الحل الأنسب، ومن يخن الثقة يجب أن يُحاسب، ولذلك سترى الموظفين الذين يستحقون الثقة ينتجون أكثر، ومن يخونونها ستراهم يتحسنون مع مرور الوقت، فإذا أردت أن ترفع الإنتاجية يا عزيزي المسؤول فلا تستخدم الواسطة في تعيين أحد أقربائك، فتوقع الظلم بين موظفيك وعندما يبدع الموظف فحفّزه وقدم له الدعم المعنوي والمادي إذا وجد، وعندما ترى الخطأ حاسب، ولا تأخذك العنصرية أو الطائفية أو القبلية فتغض البصر عن بعض الأخطاء، حقق كل ذلك وسوف ترى الإنتاجية، أما بغير ذلك فستجد الإنتاجية في هبوط كبير، وهذا ما نعيشه في وقتنا الحالي.