في رحلة وصفت بـ«البوليسية»، وتزامنت مع إجراءات أمنية مشددة، نزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى قاعدة الأسد الجوية في محافظة الأنبار بالعراق، مساء أمس الأول، مغتنما هذه الزيارة الأولى منذ انتخابه، لتفقد قوات أميركية في منطقة نزاع، للدفاع عن قراره سحب القوات من سورية، معلناً في الوقت نفسه انتهاء دور بلاده كـ «شرطي» العالم، مؤكداً أيضاً أن «قواتنا ستبقى في العراق لمراقبة داعش وإيران».

وفُرضت على هذه الرحلة المفاجئة سرية كبيرة وإجراءات عدة.

Ad

وكشف موقع «إن بي سي نيوز» الأميركي أن ترامب غادر واشنطن في طائرة مطفأة الأضواء ومغلقة النوافذ، إلى جانب حماية جوية كبيرة، ما يشير إلى المخاوف الكبيرة التي رافقت هذه الزيارة، التي استغرقت ما يقارب 3 ساعات.

شرطي العالم

وأعلن ترامب من قاعدة الأسد الجوية، ومعه زوجته ميلانيا: «لا تستطيع الولايات المتحدة أن تبقى شرطي العالم. إنه أمر غير عادل عندما يقع العبء علينا، على الولايات المتحدة»، وهو تصريح يتماشى أيضا مع إعلانه سحب نصف الجنود الـ14 ألفا المنتشرين في أفغانستان لمحاربة حركة «طالبان».

لكن العراق حالة خاصة، حسب المحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي، الذي يرى أن «العراق مهم بموقعه الإستراتيجي. وبالتالي وجود قوات أميركية فيه تطمئن كلا من الأردن والسعودية، وتحدث توازنا بين الأكراد وتركيا والمثلث التركي الإيراني العراقي».

ويضيف الهاشمي أن «التواجد في العراق يحقق مسعى إسرائيل أيضاً لقطع طريق طهران - بيروت».

لا انسحاب

وقال ترامب، رداً على أسئلة صحافيين، إنه لا ينوي «إطلاقا سحب القوات الأميركية من العراق»، بل يرى «على العكس، إمكانية لاستخدام هذا البلد قاعدة في حال اضطررنا للتدخل في سورية».

وإذ أكد «أننا هزمنا (تنظيم الدولة الإسلامية) بالضربة القاضية»، لم يستبعد الرئيس الأميركي «العودة للمساعدة في سورية إذا تطلبت الظروف ذلك»، مخففا بالتالي من الرهانات، بعد تعرضه لانتقادات، باعتبار إعلانه الانسحاب من هذا البلد سابقا لأوانه.

وقال «إن رأينا أن تنظيم داعش يقوم بشيء لا يعجبنا، بإمكاننا ضربهم بسرعة وبقوة فائقتين بحيث أنهم لن يدركوا حتى ما يحصل لهم»، محذرا: «سنراقب عن كثب نشاطات فلول داعش، وكذلك إيران».

ويقضي التقليد المتبع منذ اعتداءات 11 سبتمبر أن يتفقد الرؤساء الاميركيون القوات المنتشرة في مناطق الحرب، وتعرض ترامب لانتقادات شديدة لعدم قيامه بذلك حتى الآن.

وجاءت زيارة ترامب غير المعلنة مسبقا، على خطى الرئيسين السابقين الجمهوري جورج دبليو بوش والديمقراطي باراك أوباما، إذ قام كل منهما بزيارة مفاجئة إلى القوات. ولأسباب أمنية، عادة ما تبقى الزيارات سرية إلى ما بعد وصول الرئيس.

كما جاءت الزيارة إلى العراق بعد أيام قليلة من إعلان ترامب سحب قواته من سورية، في قرار أحدث زلزالا في الولايات المتحدة، لا سيما مع استقالة كل من وزير الدفاع جيمس ماتيس والموفد الأميركي للتحالف الدولي لمحاربة «داعش» بريت ماكغورك المعارضين لقرار الانسحاب من سورية.

وإلى التقاط الصور مع الجنود، دافع ترامب عن سياسة «أميركا أولا» التي يتبعها، مؤكدا أن الولايات المتحدة تخوض معارك نيابة عن دول أخرى منذ فترة طويلة.

وقال: «لا نريد أن نكون عرضة للاستغلال بعد الآن من جانب دول تستخدمنا وتستخدم جيشنا القوي لحمايتها. إنها لا تدفع في مقابل ذلك، لكنها ستكون مضطرة الى ذلك». وأضاف: «نحن منتشرون في جميع أنحاء العالم. نحن في بلدان لم يسمع بها معظم الناس. بصراحة، هذا أمر سخيف».

تقلبات كبيرة

ومن المعروف أن العلاقات العراقية - الأميركية شهدت تقلبات كبيرة منذ غزو عام 2003 وإسقاط نظام صدام حسين. ولم يكن وجود القوات الأميركية في قواعد عسكرية في العراق، أمرا مرحبا به لسنوات طويلة، إلى أن أصبحت واشنطن شريكا في قتال تنظيم «داعش» من خلال قيادتها لتحالف دولي ساهمت ضرباته بشكل كبير في دعم القوات العراقية لتحقيق «النصر» على الارهابيين في ديسمبر 2017.

رغم ذلك، فإن النفوذ الإيراني في العراق، له انعكاس كبير على طبيعة هذه العلاقة، من خلال الأحزاب الكبيرة الموالية لطهران، والتي أصبحت اليوم كتلة كبيرة تسيطر على البرلمان العراقي. وأثارت زيارة ترامب وتصريحاته غضب تلك الأحزاب.

«المنطقة الخضراء»

الى ذلك، وعقب مغادرة ترامب العراق، أكدت مصادر عراقية أن «المنطقة الخضراء»، المحصنة وسط بغداد، تعرضت فجر أمس إلى قصف، من دون أن يسفر هذا عن وقوع إصابات»، مشيرة الى أن صاروخين سقطا على مقربة من مبنى السفارة الأميركية التي دوت فيها صفارات الانذار عقب القصف.