هبط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس الأول، في قاعدة عين الأسد العراقية المتاخمة للحدود مع سورية، في زيارة مفاجئة لتهنئة آلاف الجنود الأميركان الموجودين هناك منذ سنوات، والمنشغلين بتدريب وإسناد القوات العراقية ضد تنظيم داعش، مما أثار لغطاً كبيراً حول زيارته الخاطفة التي لم تُعلَن سابقاً، ولم تتضمن أي لقاء بمسؤول عراقي.وحلّ ترامب، المثير للجدل، وسط نحو أربعين ألفاً من عناصر الميليشيات العراقية المتهمة بموالاة طهران، والتي تنتشر بموازاة القوات الأميركية والفرنسية العاملة على حدود العراق وسورية في الصحراء الشاسعة لمحافظة الأنبار.
وإذا كان من المعتاد أن تحاط زيارات الرؤساء الأميركيين للعراق بسرية تامة فإن الجديد في الأمر أنها لم تتضمن أي لقاء بمسؤولين عراقيين، إذ اكتفى رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي ببيان مقتضب أوضح فيه أن التفاهم حول مكان اللقاء وبروتوكولاته لم يتم، مشدداً في الوقت نفسه على التمسك بالتعاون الاستراتيجي مع واشنطن، والذي جرت مناقشته في مكالمة هاتفية لاحقة مع ترامب، تضمنت كما قال، دعوته لزيارة واشنطن.لكن عدداً من الساسة، بينهم معتدلون مثل رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، أصدروا بيانات تندد بطريقة الزيارة، واصفين إياها بخرق السيادة وعدم احترام الإنجازات التي حققها العراق كشريك دولي أساسي في الحرب ضد الإرهاب، لاسيما أن ذلك يأتي بعد انسحاب أميركي أثار اللغط من شرق سورية، وتصاعد التهديدات الأميركية ضد طهران حيث يقع العراق وسط لعبة الضغوط الهائلة، وكذلك تزامناً مع استقالة شبه إجبارية لمسؤولين أميركيين كبار يوصفون بأنهم متفهمون بشكل جيد للوضع العراقي في المعادلة الإقليمية، مثل المبعوث الخاص برت ماكغورك، ووزير الدفاع جيمس ماتيس.كما تأتي الزيارة لتؤكد أن منطقة غرب العراق ستشهد وجوداً أميركياً طويل الأمد يمكنه أن يساند أي عملية عسكرية ضد إيران وحلفائها في المنطقة، وهو أمر يدفع الكتل المقربة من إيران في البرلمان العراقي، كل يوم، إلى اقتراح مشاريع قوانين أو قرارات ضد الوجود الأميركي في العراق، وهو ما جرى تأكيده عبر تصريحات نارية، وخصوصاً من تحالف البناء، الذي يجمع رئيس الحكومة السابق نوري المالكي وأبرز الميليشيات العراقية الموالية للجمهورية الإسلامية.
هبوط طائرة ترامب في قاعدة عين الأسد أقصى غربي بغداد وسط الميليشيات المقربة من طهران، إلى جوار نحو خمسة آلاف من القوات الأجنبية معظمها أميركية، أثار المخاوف من احتكاك كان ليحصل في أي لحظة لو قرر أي طرف التصعيد، لا سيما أن جهات مجهولة قصفت السفارة الأميركية في بغداد بعدد من قذائف المورتر، بعد قليل من مغادرة ترامب للعراق.في الوقت نفسه يشير مراقبون إلى أن كل الغضب الإيراني على أميركا لم ينجح منذ حرب «داعش» عام 2014 في دفع العراقيين إلى مواجهة جدية مع الأميركيين، الذين اعترفت الحكومة بحاجتها إلى دعمهم ومساعداتهم العسكرية الحاسمة، وكذلك مشاريع الاستثمار الأميركية الواعدة التي يمكن أن تساعد البلاد في إعادة إعمار عشرات المدن المدمرة بالحرب.