لدى الدول الأوروبية بعض من مخاوف الولايات المتحدة إزاء الصين، ولكن اتخاذ موقف متشدد من جانب واشنطن سوف يدفع تلك الدول إلى تطوير أسلوب أكثر استقلالية.

وسوف تعتبر سنة 2018 الفترة التي تحولت فيها الولايات المتحدة بصورة جلية من النظر الى الصين على شكل نظير بغيض الى منافس استراتيجي.

Ad

ومنذ الفترة التي شهدت نشر استراتيجية الأمن القومي في نهاية عام 2017، ثم خطاب نائب الرئيس الأميركي مايك بنس في الرابع من أكتوبر الماضي، ثم فرض إدارة الرئيس دونالد ترامب تعرفات بقيمة 10 في المئة على ما يساوي 250 مليار دولار من الصادرات الصينية ثم حملة واشنطن العالمية على شركة هواوي الصينية للتقنية، أوضحت الإدارة الأميركية أنها تعتبر بكين الخطر الأول الذي يهدد مصالح الولايات المتحدة ودورها العالمي.

ويتمثل الجانب المهم هنا في تشاطر أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لهذه الفكرة على نطاق واسع، إضافة إلى كبار المسؤولين السابقين في ادارتي باراك اوباما وجورج دبليو بوش والاتحادات العمالية والكثير من قادة الجيش الأميركي.

في سنة 2019، سوف يتعين على الحكومات الأوروبية أن تقرر ما إذا كانت سوف تقف إلى جانب الولايات المتحدة في هذه المواجهة الاستراتيجية الجديدة أو أن ترسم مسارها المستقل. وفيما تشكك الدول الأوروبية بصورة متزايدة في أهداف وطرق القيادة الصينية فإن تلك الدول لا تشاطر إدارة الرئيس ترامب تصميمها على احتواء صعود الصين، كما أنها لا تريد أن تجد نفسها عالقة في جانب واحد من حرب باردة سياسية – اقتصادية جديدة.

مخاوف مختلفة

من المنظور الأميركي تعتبر لائحة الاتهام ضد الصين ثابتة ولا جدال فيها، فقد احتلت بكين بشكل غير شرعي وقامت بعسكرة عدد من الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، كما أن نائب الرئيس الأميركي مايك بنس اتهم الصين بأنها تريد «إبعاد الولايات المتحدة عن غرب المحيط الهادئ لمنعها من التقدم لمساعدة حلفائنا».

وفيما يتحدث الرئيس الصيني شي جينبينغ عن فوائد عضوية منظمة التجارة الدولية فقد أطلق مبادرة تدعى «صنع في الصين 2025» التي تهدد بإزاحة الولايات المتحدة عن مركزها القيادي في التقنية العالية، وتعمل على تحديث قدرات الصين العسكرية إلى حد كبير.

وتتخذ معظم الحكومات الأوروبية نظرة مختلفة بقدر أكبر إزاء التحدي الصيني، وهي تتشاطر مع الولايات المتحدة مخاوفها المتعلقة باتجاه اقتصاد بكين بقيادة الرئيس شي جينبينغ بما في ذلك التحويل الإجباري للتقنية الى بلاده، والمنافسة غير العادلة من جانب الشركات الصينية المملوكة للدولة داخل الصين وعلى صعيد عالمي.

ولكن في ضوء المصالح الأمنية المحدودة للأوروبيين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والمصالح الاقتصادية الأكبر في داخل الصين، فإنهم يخشون بشكل رئيسي تأثير صعود الصين على حكم القانون الدولي وقوانين الحوكمة الديمقراطية.

الانتقادات الأوروبية

وينتقد القادة الأوروبيون تركيز السلطة السياسية في يد الرئيس جينبينغ وقمع حتى المعتدلين المنشقين بما في ذلك سجن الكثير من المحامين دعاة حقوق الإنسان وتطبيق نظام المراقبة الرقمية على المواطنين بحلول عام 2020، كما توجد أصداء لفترة القمع السوفياتية المتعلقة ببناء معسكرات إعادة تعليم لمئات الآلاف من طائفة اليوغور في اقليم زنغجيانغ.

ويرفض المسؤولون الأوروبيون أيضاً أسلوب الصين في ملاحقة خصوم مبادرة الحزام والطريق التي طرحتها بكين، كما أن القروض التي قدمتها الصين إلى الدول في إفريقيا وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا للبنية التحتية أفضت إلى مستويات غير محتملة من الديون ومكنت الصين من التحكم بالموانئ الاستراتيجية والأصول الأخرى، ويهدد الدعم السياسي والمالي الصيني بتكريس الفساد وتقويض حكم القانون في تلك الدول.

وبدأت الصين أيضاً حواراً اقتصادياً نظامياً مع 16 دولة في أوروبا الشرقية والمركزية يمكن أن تستفيد من استثماراتها في البنية التحتية، وقد أسهم ذلك في زرع درجة جديدة من الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي، وأضعف قدرته على مساءلة البعض من حكوماته المطلقة العقلية.

تناقضات السياسة

ولكن على الرغم من هذه المخاوف يحاول الأوروبيون تفادي المواجهة المكشوفة التي يحبذها البيت الأبيض.

وقد تجنب الأوروبيون شجب أسلوب الرئيس ترامب في فرض عقوبات اقتصادية احادية الجانب على الصين، وبدلاً من ذلك فقد انضموا الى المفاوضين الأميركيين واليابانيين في منظمة التجارة الدولية لتحقيق إصلاحات ترمي إلى الحد من قدرة أعضاء تلك المنظمة مثل الصين على تقديم مساعدات مالية إلى مشاريع مملوكة للدولة وتسمح باتخاذ إجراءات عقابية في حال القيام بذلك.

كما بدأت الدول الأوروبية أيضاً تطبيق خطوات رصد وتحديد أشد لعمليات الاستحواذ التي تقوم بها الصين للأصول الحساسة على صعيد وطني وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، وهي تعمل من أجل خفض اعتمادها على الشركات الصينية في البنية التحتية للاتصالات الأوروبية.

ولكن من غير المحتمل أن تطبق حظراً واسعاً على النمط الأميركي في الاستثمارات الصينية في القطاعات الحساسة نظراً للتعاملات التجارية العميقة بين السوقين، ويتضح ذلك من خلال إعطاء الهيئة النووية البريطانية في الآونة الأخيرة الضوء الأخضر للهيئة النووية العامة للصين للتقدم نحو المرحلة الثانية من مفاعلها عند بحر برادويل.

وفي حقيقة الأمر، قد يمضي الاتحاد الأوروبي قدماً ويغتنم الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين من أجل تأمين تنازلات في مفاوضاته الجارية لبلوغ معاهدة استثمار ثنائية مع بكين، والتي سوف تفتح قطاعات محمية من الاقتصاد الصيني أمام المستثمرين الأوروبيين.

الانقسام حول التعاون

وإضافة إلى ذلك، وفي انعكاس للانقسام الحاد عبر الأطلسي بشأن أهمية التعاون المتعدد الجوانب، تتعاون الحكومات الأوروبية مع الصين في عدد من المبادرات الرئيسية المتعددة الأطراف التي تشمل تنفيذ اتفاقية باريس حول تغير المناخ ومحاولة الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران.

وتريد الحكومات الأوروبية استمرار مشاركة الصين في أعمال قمة العشرين لأنه من دون الدعم الذي قدمته بكين في سنة 2009 لم تكن قمة العشرين قادرة على العمل مثل سياسة ضمان ذات موثوقية ضد حدوث الأزمة المالية العالمية التالية.

وفي نهاية المطاف، كلما ازداد تشدد إدارة ترامب ضد الصين ازداد شكل الأسلوب الأوروبي البديل، وقد يندم صناع السياسة في الولايات المتحدة على خطوات ترامب التي دفعت الدول الأوروبية إلى تطوير سياستها نحو الصين على أساس «أوروبا أولاً» ضمن سياسات أكثر براغماتية وتشدداً تناسب المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الأوروبية.