قطاع النفط مصاب بأمراض... ومعدل تغيير الوزير 16 شهراً
لا يبدو من التعديل الحكومي الأخير أن مبدأ استقرار الحقيبة وتخصصها طُرح أصلاً
من المفترض أن تكون حقيبة النفط أهم الحقائب الوزارية، فإلى جانب أهميتها الجيوسياسية في العلاقة مع دول الجوار، والعلاقة السياسية مع المنتجين والمستهلكين الآخرين، دورها أساسي في تعظيم الإفادة من الحاضر، ودورها أساسي في التوفيق بين استراتيجيتها الطويلة المدى واستراتيجية الدولة طويلة المدى.
قال تقرير "الشال" الاقتصادي الأسبوعي إن النفط، مصدر كل التمويل للمالية العامة، ففي سنوات الرواج، ورغم الإنفلات المؤذي حينها للسياسة المالية، يوفر النفط ما يكفي لبناء طبقة شحم أو احتياطيات مالية، وزمن رواجه مرة أخرى لن يتحقق في المستقبل المنظور، وفي زمن ركود سوق النفط، يظل يمول 90 في المئة من نفقات الموازنة العامة بشكل مباشر، أو إضافة إلى السحب من مدخراته أو الاقتراض بضمانها.وفشل السياسة الاقتصادية على مدى أكثر من نصف قرن في تحقيق هدف تنويع مصادر الدخل من أجل خفض الاعتماد الكلي على النفط، يبقيه مع الأسف شريان الحياة لحاضر ومستقبل الدولة. ومنذ تحرير الكويت قبل نحو 27 سنة، تعاقب على حقيبة وزارة النفط 20 وزيرا، أغلبيتهم الساحقة من غير ذوي الاختصاص بتقنياته أو باقتصاداته أو حتى سياسته، والأهم، أن أياً منهم لم يمض ما يكفي من وقت لتبني وتحقيق أي هدف استراتيجي، فمعدل تبديل الوزير هو سنة وثلث السنة. وقطاع النفط مصاب بأمراض ثلاثة، فساد له تاريخ منذ ثمانينيات القرن الفائت، وحقيبة وزارته ويتبعها بعض قيادييه تمنح لشراء ولاء هذا الفصيل السياسي أو الاجتماعي أو ذاك، ثم بعدها يبدأ الفصيل الجديد بتصفية نفوذ من سبقه لتنشغل قياداته في صراعاتها، وتعرض لتفريغ من معظم قياداته الوسطى المحترفة بقانون سياسي جائر للتقاعد المبكر في عام 2009، مما أدى إلى انحدار كبير في مستواه المهني.
وفي بداية حقبة رواج سوق النفط الأخيرة (2010-2014)، تم تمييزه بكادر بالغ التكلفة والانحراف، بعد ادعاء وزيره في ذلك الوقت أن ذلك لن يكلف الخزينة العامة فلساً واحداً، وبات حالياً محرقة لأي وزير، لأن كل نافذ أو فاسد، بات يريد حصة في وظائفه، فالكفاءة ليست بالضرورة هي المعيار. ولدى قطاع النفط استراتيجية معلنة تهدف إلى البلوغ بإنتاج الكويت إلى 4.75 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2040، قدرت تكاليف تنفيذها بنحو 450 مليارات دولار. ولدى الكويت استراتيجية "كويت جديدة" هدفها الأساس هو تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط بحلول عام 2035، وبتكلفة بحدود 450 مليار دولار. وبينما يمثّل الاعتماد على النفط واقعا معيشا، تمثل وعود "كويت جديدة" هدفا محتملا نتمنى له النجاح، ولكن، استقراء تجارب الماضي فيه الكثير من الإحباط.لذلك، من المفترض أن تكون حقيبة النفط أهم الحقائب الوزارية، فإلى جانب أهميتها الجيوسياسية في العلاقة مع دول الجوار، والعلاقة السياسية مع المنتجين والمستهلكين الآخرين، دورها أساس في تعظيم الإفادة من الحاضر، ودورها أساس في التوفيق بين استراتيجيتها طويلة المدى واستراتيجية الدولة طويلة المدى. ولو أخذنا متطلبات التمويل فقط للاستراتيجيتين - نحو 900 مليار دولار - سوف يتعذر السير بكليهما معا، وذلك غير التناقض في أهدافهما.ومع كل الاحتـرام للجميـع، لا يبدو من التغيير الوزاري الأخير - وهو ليس تغييرا في الواقع - أن ذلك الهاجس خطر على بال من قام به، ولا يبدو أن مبدأ استقرار الحقيبة وتخصصها قد طرح في الأصل.