ماذا بعد التحولات الخارجية الخليجية!
الغريب في التوجهات الأميركية الجديدة، مهما كانت دوافعها ومهندسوها، أنها تخدم مصالح ما يعرف بخصوم الولايات المتحدة الدوليين كروسيا والصين أو الإقليميين كتركيا وإيران وسورية، بينما الخاسر الأكبر هو دول مجلس التعاون التي ابتزها دونالد ترامب حتى العظم في وقت قياسي، وباتت تحت ضغط سياسي قد يتعاظم مع حلول عام 2019.
تشهد منطقة الشرق الأوسط سلسلة من التطورات والأحداث السريعة المتلاحقة، والتي بالتأكيد لها تداعيات مباشرة على منطقة الخليج العربي، وعلى الرغم من الاتجاه النظري نحو المزيد من الاستقرار ومحاولات إطفاء البؤر المشكلة فإن العديد من أسباب وعوامل التوتر لا تزال قائمة، وقد تحمل في طياتها مفاجآت وتداعيات لا تخلو من الخطورة الشديدة.أصابع الهندسة الأميركية واضحة جداً في هذه التحولات، ومن أهمها المصالحة مع تركيا وإعلان عودة الشراكة الإستراتيجية معها، والانسحاب المفاجئ من سورية، وإعطاء الضوء الأخضر للحوار ولربما المصالحة في اليمن، إضافة إلى المفاوضات المباشرة مع جماعة "طالبان" في أفغانستان. ومن الصعب التكهن بأن هذه التكتيكات من صنع الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب أم بالضغط المتنامي من الكونغرس الأميركي بمجلسيه الشيوخ والنواب، والمتوقع أن يزداد قوة مع مطلع العام الجديد في الأيام القليلة القادمة، في ظل الأزمة السياسية والنفسية التي يعانيها الرئيس الأميركي، خصوصاً بعد الاستفتاء الأخير الذي أظهر أن حوالي 60 في المئة من الشعب الأميركي يؤيد عزل رئيسهم المتهور.
الغريب في التوجهات الأميركية الجديدة، مهما كانت دوافعها ومهندسوها، أنها تخدم مصالح ما يعرف بخصوم الولايات المتحدة الدوليين منهم كروسيا والصين أو الإقليميين كتركيا وإيران وسورية، بينما الخاسر الأكبر هو دول مجلس التعاون التي ابتزها دونالد ترامب حتى العظم في وقت قياسي، وباتت تحت ضغط سياسي قد يتعاظم مع حلول عام 2019، وقد لا نستغرب إذا فاجأنا الرئيس الأميركي بإعلان إغلاق قواعده العسكرية من المنطقة وسحب قواته من دول الخليج!التحولات اللافتة في السياسة الخليجية، ولاسيما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية، قد تقرأ من هذا المنظور، فبدءاً بالمصالحة مع سورية مع الرئيس بشار الأسد ومباركة المصالحة اليمنية، واحتضان المفاوضات مع "طالبان"، وما واكبه من تغييرات مهمة في التشكيل الحكومي الجديد في السعودية تحمل دلالات التغيير في السياسة الخارجية الخليجية، وتعيين إبراهيم العساف وزيراً للخارجية بخلفيته الاقتصادية الطويلة كوزير للمالية، قد يعكس محاولة إعادة شبكة العلاقات مع العالم الخارجي انطلاقاً من متطلبات التعاون والمفاوضات في شراكات اقتصادية والابتعاد عن السياسة الساخنة في ظل تبعات الانكماش المالي واضطراب السوق النفطية وتراجع مؤشرات النمو وهبوط أسعار البورصة والعقار، كما يفهم من هذه التحولات أن الخليج بات يدرك أن ترامب لا يمكن الوثوق به ولا هم له سوى ما سماه بـ "البقرة الحلوب"، ولم ينجح في أي من الملفات السياسية والتهديدات العسكرية، وأنه يحترم الخصوم أكثر من الأصدقاء.لكن تبقى الورقة الإيرانية هي الأهم بيد ترامب للاستمرار في ابتزاز دول الخليج العربية، وبدون حلحلة التأزيم بين إيران والخليج لا يمكن أن يزاح ضباب التوتر والتصعيد ومتطلبات ذلك من سباق التسلح والحشد الإعلامي، وهنا قد يكون التوقيت مناسباً جداً لإعادة تفعيل مبادرة سمو الأمير في إطلاق الحوار الخليجي – الإيراني الذي تم إعلانه في يناير 2017 في مسعى جاء لطرح كل أوراق الخلاف على الطاولة بشفافية وصراحة، الأمر الذي لا يعني فقط تخفيف التوتر المخيف في المنطقة، بل إعطاء الضوء الأخضر للمشاريع الاقتصادية الكبرى التي لا غنى عنها مع تقهقر العملاق النفطي في السنوات القليلة القادمة!