كيف تفوّق رجل مع كاميرا على الولايات المتحدة؟
في صباح يوم 26 ديسمبر، وقف آلان ميلوي على شرفة منزله في شمال إنكلترا ولاحظ أن الغيوم "القاتمة" المبكرة بدأت تتلاشى تمهيداً لانطلاق يوم شتوي مشمس. كان ميلوي رجلاً متقاعداً بعدما عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات وراقب الحركة الجوية طوال 45 سنة، فقرر أن يحمل الكاميرا المفضلة لديه على أمل أن يرصد مظاهر مثيرة للاهتمام في الجو، وبعد فترة غير طويلة، شاهد طائرة "جامبو" ("بوينغ" VC-25A)، وبما أنه كان يعرف أن هذا النوع من الطائرات أصبح قليلاً، التقط لها نحو 20 صورة، لكنه أدرك سريعاً وجود أمر غريب بشأن تلك الطائرة.قال ميلوي: "لقد كانت لامعة أكثر من اللزوم"! سرعان ما تبيّن أنه التقط عن غير قصد صورة الطائرة الرئاسية الأميركية!نشر ميلوي صورته على خدمة تقاسم الصور "فليكر"، وقد أكدت تلك الصورة أن مجموعة من الهواة تستطيع أن تتفوق على الاحتياطات الأمنية التي تتخذها أهم قوة عظمى في العالم عند نقل رئيسها في رحلة سرية إلى منطقة صراع. عملياً، كان عدد من الهواة على علم بزيارة ترامب إلى القاعدة العسكرية الأميركية في العراق بعد يوم على عيد الميلاد، حتى قبل هبوط طائرته في ذلك البلد.
تشكّل هذه الحادثة واحدة من حوادث كثيرة نجح فيها عدد من الهواة أو المقرصنين أو المحققين الإلكترونيين في إحباط أفضل خطط الحكومات والأجهزة السرية والجيوش أو التفوق عليها، وهذا ما يُذكّرنا بأن العالم المترابط في هذا العصر بات يُعرّض تلك الجهات كلها لتهديدات جديدة ومتطورة. يكشف هذا الواقع أيضاً إلى أي حد تبدو أكثر الحكومات تقدماً في العالم غير مستعدة للتعامل مع أبسط أنواع التهديدات.ترامب ليس أول زعيم عالمي يواجه هذا النوع من المشاكل، فقد واجهت بريطانيا مشاكلها الخاصة في مجال تعقب الطائرات أيضاً.يترقّب راصدو الطائرات من أمثال ميلوي أي طائرات مثيرة للاهتمام منذ عقود، لكن كان ديفيد سينسيوتي، رجل محترم له مدوّنة عن الطيران، محقاً حين قال إن الأدوات التقنية الجديدة التي أصبحت في متناولهم، إلى جانب الاتصالات شبه الفورية التي وفرتها لهم شبكة الإنترنت، غيّرت قواعد اللعبة.بعبارة أخرى، كانت صورة ميلوي في الماضي ستشكّل موضوعاً مثيراً للفضول في مجلة متخصصة بمراقبة الطائرات بعد شهر على الحادثة، لكن تسمح تلك الصورة اليوم بتعقب طائرة الرئيس في الوقت الحقيقي. تُعتبر الطائرات من أبرز الأدوات التي تضمن التواصل بين الحكومات والأجهزة الأمنية حول العالم والمدنيين والهواة بطرقٍ تطرح بعض المخاطر المحتملة. ترتبط أداة أخرى بعالم الأمن السيبراني حيث تستطيع الدول القومية والمقرصنون المجرمون والهواة التفاعل في ما بينهم.لنأخذ مثلاً هجوم "واناكراي" الإلكتروني الشهير: سُرِقت حينها أدوات القرصنة التي اكتشفتها وكالة الأمن القومي ونُشِرت على الإنترنت، وخضعت مجموعة كبيرة من تلك الأدوات للتعديل، فتحولت إلى هجوم خبيث ومُدمّر، وسرعان ما أصبح مستخدمو الحواسيب رهينة للمعتدين إلا إذا دفع الضحايا الفدية المطلوبة منهم، حيث بدأ ذلك الهجوم في أوكرانيا، لكنه عاد وانتشر سريعاً على نطاق أوسع، فطاول جهات كثيرة مثل خدمة الصحة الوطنية في بريطانيا حيث سبّب الاعتداء أضراراً بقيمة 100 مليون دولار على الأقل، وبعدما أصبح الهجوم علنياً، عُدّل لأغراض تجارية على يد مقرصنين مجرمين واستُعمِل لابتزاز أعداد إضافية من الضحايا.لا يمكن اعتبار هذه الاعتداءات معزولة، ولم تكن البلدان الغربية الجهات الوحيدة التي باتت مضطرة لمكافحة تلك المحاولات، فقد أسست خدمة "بيلينغ كات" الاستخبارية العامة كامل موقعها الإلكتروني بناءً على استعمال معلومات علنية بهدف فضح الحقائق والتصدي للمعلومات المغلوطة، حتى أنها استعملت برنامج رصد المعلومات والتصوير بالأقمار الاصطناعية لاكتشاف مصدر الاعتداءات في أوكرانيا وسورية معاً.لا شك أن حقبة المواجهة بين الجواسيس، إذا وُجِدت أصلاً، انتهت في عصر الإنترنت، وأصبحت المواجهة اليوم قائمة بين الجواسيس وموقع "تويتر" ومراقبي الطائرات والمجرمين والناشطين والصحافيين والمقرصنين المراهقين المتضجرين وغيرهم. لن يحمل الجميع نوايا سيئة وستكون معظم الانتهاكات، مثل الكشف عن رحلة الرئيس ترامب، حميدة.لكن لا أهمية للنوايا الحسنة أو لعدم وجود أي عواقب كبرى لمعظم الانتهاكات، إذ تبدو المخاطر المطروحة حقيقية وتكشف المؤشرات الراهنة أن أكبر قوة عظمى في العالم ليست مستعدة للتعامل بجدية مع هذه المسألة، إذ يبدو أنها تعجز أصلاً عن حل أبسط المشاكل، مثل تصعيب تعقب طائرة الرئيس!* جيمس بول* «ذي أتلانتيك»