خلال مؤتمر عُقد في وقت سابق من هذا الشهر للاحتفال بذكرى مرور أربعين عاما على شروع الصين في تطبيق سياسة "الإصلاح والانفتاح"، ركز الرئيس شي جين بينغ على الشد والجذب بين استمرار تلك العملية وضرورة حماية الأمن القومي، واعترف شي بأن "الصين لا تستطيع تطوير نفسها بمعزل عن العالم، كما أن العالم يحتاج الصين من أجل الرخاء العالمي"، لكنه أيضا شدد على أنه "ما من أحد يقدر على أن يُملي على الشعب الصيني ما ينبغي وما لا ينبغي فعله".

لا شك أن العالم يحاول الضغط على الصين للقيام بتغييرات، وتعد الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أقوى مثال على ذلك، لكن حدث في وقت سابق من شهر ديسمبر الماضي أن اُعتقلت مِنغ وانزو، المديرة المالية لعملاق التكنولوجيا الصيني هواوي، في كندا بناء على طلب من الولايات المتحدة.

Ad

ورغم عدم توضيح وزارة العدل الأميركية سبب اعتقال منغ، يبدو أن الأمر يرجع لشكوك أميركية في أن هواوي قد انتهكت العقوبات الأميركية ضد إيران، وإن كان يحتمل أنه يعكس البعد التقني للتنافس الاقتصادي والجيوسياسي المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين.

على أي حال، فإن احتمالية فرض قيود أو عقوبات غير متوقعة على الشركات أو الأفراد باسم الأمن القومي يزيد بشكل حاد من المخاطر التي تواجهها الشركات الصينية والأميركية وغيرها من الشركات ذات الجنسيات الأخرى. وهذا يبعث بإشارة مخيفة للأسواق المالية، التي سجلت بالفعل طوال هذا الشهر انخفاضات لم تشهدها منذ عدة أعوام.

غير أن هناك سببا جيدا يدعو للأمل في قدرة الصين على إدارة التحديات التي تعترض طريقها قدما، فرغم كل شيء، نجحت الدولة في تحمل صدمات داخلية وخارجية شديدة في كل عقد تقريبا من الأربعين عاما الماضية، مثل الثورة الثقافية في السبعينيات، والتضخم الداخلي المرتفع في الثمانينيات، والأزمة المالية الآسيوية في التسعينيات، والأزمة المالية العالمية في عام 2008.

بل لقد تمكنت الصين في الحقيقة من تحويل هذه الأزمات إلى فرص، مما أثمر عن متوسط سنوي للناتج المحلي الإجمالي وصل إلى 9.5% (مقارنة بمتوسط عالمي لم يتجاوز 2.9%) منذ عام 1978، الأمر الذي رفع نصيب الصين من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 1.8% إلى 18.2%، وانتشل 740 مليون شخص من الفقر. كما تحتل الصين حاليا المرتبة الثانية عالميا بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، والاستهلاك، والاستثمار الأجنبي المباشر، والأولى فيما يتعلق بالتصنيع، وتجارة السلع، واحتياطي النقد الأجنبي.

وكما أكد شي في خطابه الأخير، فإن هذا النجاح يعكس المجهودات الجبارة للشعب الصيني، والممارسات المبتكرة للشركات الصينية، والقيادة (الواعية) للحزب الشيوعي الصيني، لكن هذا النظام المركزي للحكم الذي يقتصر على الحزب الواحد هو نفسه ما تحاول الولايات المتحدة تغييره، في حين يمثل أول صدمة خارجية كبرى ذات بعد بارز يتصل بالأمن القومي تواجهها الصين في الأربعين عاما الأخيرة.

وتكمن الخطورة الآن في أن يؤدي نهج "أميركا أولا" المتشدد والمتنامي الذي تتبناه الولايات المتحدة إلى تقوية صف المتشددين في الصين، مما سيدفع الأخيرة للتأكيد على أمنها القومي وإعطائه الأولوية على الإصلاح والانفتاح. وعلى حد قول باسكال لامي، وهو مدير عام سابق لمنظمة التجارة العالمية، فإن "زيادة العدائية من جانب الولايات المتحدة يمكن أن تخلق عدائية أكبر من جانب الصين في شكل سلسلة من ردود الأفعال سيتضرر منها الجميع".

وقد يكون من نتائج مثل هذا التفاعل التسلسلي تدهور سريع وسلبي في التجارة العالمية ودينامية الاستثمار، وما يشهده العالم حاليا من توترات تجارية متصاعدة يزيد بالفعل فرص حدوث ركود عالمي متزامن، في ظل تباطؤ النمو المتوقع في الولايات المتحدة والصين وأوروبا في عام 2019. في الوقت ذاته، قد تؤدي مقاومة مبادرة الحزام والطريق الصينية إلى خنق أحد المصادر القليلة في العالم لتمويل البنية التحتية والمنافع العامة التي تشتد الحاجة إليها، خصوصا في الدول النامية.

تواجه الصين الآن مأزقا: فقد تحتاج سلطاتها لإعادة التفكير في بعض العناصر المدرجة ببرنامجها للإصلاح الداخلي، من أجل تقليل تعرضها للعداء الخارجي، فمن منظور الأمن القومي (والمنافع العامة)، هناك أهداف تعد أكثر منطقية وأولوية، مثل الحفاظ على قوة قطاع الدولة، والتأكيد على تمويل الدين، وتقوية زعامة الحزب الشيوعي الصيني. لكن يتحتم على الدولة أن تواصل العمل لتعزيز الأعمال والمشروعات الخاصة، وتوسيع مجال التمويل بالأسهم، وإحراز تقدم على مسار اللامركزية، وبالتالي تحفيز المنافسة والإبداع وإيجاد فرص عمل.

ويأمل شي أن يتمكن من الموازنة بين هذه الضرورات بتقوية نموذج النمو الصيني وإثرائه بالخصائص الصينية، واستيعاب دروس من الفلسفة والتاريخ الصينيين، إضافة إلى دروس من أسلافه أمثال ماو تسي تونغ، ودينغ شياو بينغ، وجيانغ زيمين، وهو جينتاو، وهو ما يعني توطيد زعامة الحزب، على عكس ما تبغيه أميركا، للإبقاء على نهج عملي، مرن، استراتيجي في إدارة المخاطر العامة ومعالجة المخاوف الداخلية والتهديدات الخارجية.

على الصعيد الداخلي، ستهدف حكومة الصين إلى دعم تنمية تؤكد تعزيز الإنتاجية، وبالتالي تحقيق نمو مبتكر، منسق، أخضر، مفتوح وشامل، ولن تخلو استراتيجية كهذه من التجريب والتعديل المستمر، خصوصا فيما يتعلق بتطوير المؤسسات الفعالة التي تستطيع تقديم منافع عامة بطريقة شفافة ومسؤولة، أما على الجبهة الدولية، فيخطط شي للتمسك بسياسة خارجية مسؤولة تهدف إلى تحقيق تنمية عالمية شاملة ومقاومة هيمنة أي قوة منفردة.

خلاصة القول إن شي سيؤيد نهج الصين المجرب والمختبر الذي يتسم بالعملية الشديدة في تحقيق التحديث، ويدرك شي، ككثير من أسلافه، وبعكس كثيرين في الغرب، أنه لا يوجد حل بسيط يُقدَّم دفعة واحدة لمعالجة التحديات القادمة، وعلى حد قوله في مؤتمر الذكرى الأربعين: "يجب أن نصلح بعزم ما ينبغي وما يمكن تغييره، كما يجب ألا نصلح ما لا ينبغي وما لا يمكن تغييره".

تبدو الصين مستعدة لإصلاحات واقعية، فهل أميركا مستعدة لاتفاق عملي براغماتي؟

* شياو غنغ وأندرو شنغ

* أندرو شنغ زميل متميز في معهد آسيا العالمي التابع لجامعة هونغ كونغ، وعضو المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة الخاص بشؤون التمويل المستدام. وشياو غنغ رئيس مؤسسة هونغ كونغ للتمويل الدولي، وأستاذ في كلية «إتش إس بي سي» للأعمال، جامعة بكين، وفي كلية الأعمال والاقتصاد، جامعة هونغ كونغ.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»