إنّا لنفرح بالأيام نقطعهاوكل يوم مضى يدني من الأجل!
كل يوم يمضي يأخذنا خطوة للأمام باتجاه آجالنا كما قال الشاعر، فكيف الحال إذن مع السنين التي تتساقط ثيابها عن أجساد أعمارنا عاماً بعد عام، لتتركنا في نهاية المطاف عراة كما ولدنا من أرحام أمهاتنا، لندفن عراة أيضا في رحم أمّنا الأرض، ها هي سنة أخرى تحزم حقائبها ملوحة بوداع إلى غير لقاء، ورحيل لا عودة فيه، أخذت في حقائبها أياماً من حياتنا لن ترجع، سعيدة كانت أم تعيسة، وأخذت كذلك لحظات ثمينة لن يبقى منها سوى صور على حائط ذكرياتنا، وأخرى مما يعد من سقط المتاع ستهملها الذاكرة مع الوقت، فتصبح نسيا منسيّا مع مرور الأيام وتقادم الزمن.في الموعد المحدد لرحيلها، والمعلوم لنا، لملمت السنة أشياءها، لم تتأخر ثانية واحدة، مخلفة وراءها ثقوبا في أعمارنا، تساقط منها أحبة لن نلتقيهم مرة أخرى في الحياة الدنيا، وآخرون ربما نلتقي بهم مصادفة ما دمنا وهم أحياء، وقد لا يحدث ذلك أبداً، كما سقط من ثقوب العمر في السنة الراحلة أمنيات لنا جف ماؤها، فاستحالت وتحولت إلى حبات رمل تسربت من شقوق العمر، وآمال تشربها اليباس خلال السنة الراحلة حتى أصبحت سهلة الكسر وغير عصية على الموت لضيق في التنفس، كنا نرتجيها مع طلوع كل صباح لا يعين شمسه على الصحو من غيبوبتها.يحدث ذلك في كل رحيل لأي سنة تمر بنا، أو ربما نحن من يمر بها، وعلى شرف ذلك الرحيل نقيم الاحتفالات الباذخة، ونغسل الأغاني بماء الورد والزعفران والطيب المعتق، ونفرشها في طريق السنة الراحلة عنا، والذي هو ذاته طريق السنة الجديدة والقادمة لنا، فيختلط الأمر علينا، ولا نعرف ما إذا كنا نحتفل امتنانا لما أهدتنا السنة المودّعة أم أننا نحتفل بانتهاء كابوسٍ مضى فيها، أم أن الاحتفال هو على شرف استقبال السنة المقبلة، وليس للسنة الراحلة أي نصيب منه، ولا حتى من باب عفى الله عما سلف، أو من باب اذكروا محاسن ماضيكم، إنما نحتفل تعبيرا عن التفاؤل بما ستحمله لنا السنة الجديدة من بشائر سارة، وتكرارا لما فعلناه في السنوات الماضية من فتح صفحة بيضاء مع الأمل بعد أن نغفر خطاياه، ونمد له يد الصلح بعد اكتشافنا حقيقة خذلانه لنا حتى آخر لحظة في السنة التي مضت للتوّ، لنعيد ذات السيناريو الذي حفظناه عن ظهر قلب طوال سنين خلت، متناسين ما أخذته السنة المنصرمة من آمال وأمان، لنبدأ مشوار آمال وأمنيات أخرى، لا نعلم إن كانت السنة الجديدة ستمنحنا شيئاً منها أم أنها ستتجاهلها كما فعلت أخواتها من السنين السابقة، كما لا نعلم إن كانت آجالنا ستمهلنا لنرى أمانينا محققة أم أننا أصبحنا أكثر قربا من دنو آجالنا بعد مضي ثلاثمئة وخمسة وستين يوما، وليس مضي يوم واحد كما قال الشاعر؟!تمنياتي لك عزيزي القارئ بعمر مديد وسعيد بقطفك ثمار أمنياتك، وزهر آمالك، وسنة بطعم السكر للجميع.
مقالات
سنة أخرى!
03-01-2019