ماذا ستفعل مع شيطان التفاصيل؟
حديث الشيخ ناصر الصباح مع التلفزيون الصيني كان رائعاً ومرتباً، ولامس مباشرة هموم الدولة وقلق "الواعين" من المواطنين من المستقبل المجهول، مع تدهور أسعار النفط، وبزوغ جحيم حروب تجارية بين عمالقة الاقتصاد العالمي، كان حديث الشيخ ناصر كلاماً عقلانياً مباشراً، ونادراً ما نجد أحداً من كبار المسؤولين بالسلطة، وأقصد أسرة الحكم، يملك هذه القدرة على ترتيب الأفكار، وعرضها بتلك الصورة التي قدمها الشيخ ناصر بنجاح، لكن كما يقولون "الشيطان في التفاصيل"، فأين هو هذا الشيطان؟بعبارات عامة تحدث الشيخ ناصر، وقال: "إن الجهود تتواصل لتنويع الاقتصاد الوطني، وتحقيق المزيد من الانفتاح أمام المستثمرين... والكويت دولة جميلة وغنية، ولكننا لسنا سعداء بسبب البيروقراطية، وحالة الاسترخاء التي يمر بها اقتصادنا" (القبس)... رائع... يا شيخ، ولكن أين الجهود التي تتواصل لتنويع الاقتصاد الوطني؟! ما نشاهده بين كل فترة وأخرى هو تسريح أو استقالة وزراء من النوعية الهشة القابلة للكسر، ثم وزراء جدد يحلون مكانهم حتى يبقى العرض المسرحي مستمراً مع مجلس أمة هو في أغلبه نتاج السلطة، أي أسرة الحكم، ومن جديد تتكرر الأسطوانة والأسئلة القديمة، ما الذي تغير؟ أين التغيير الذي يمكن أن نلمسه، أو نشعر به؟! لا يوجد، هلكنا سيفوه يا شيخ.
ماذا فعل مجلس الوزراء هذا مع نكد البيروقراطية، التي هي من أهم أسباب تعاسة الدولة، إذا كان هو ذاته (مجلس وزرائكم الموقر) يفكر ويعمل بطريقة بيروقراطية مريضة، يعيد إنتاج نفسه وقضاياه بكل مرة، لا يتبدل ولا يتغير بالنسبة للوزراء الديلوكس إلا نادراً، أكثر همومه كيف يرضي شيخ فلان، وكيف يمكن مواجهة استجواب ما حتى يبقى الوزير في مكانه. قضايا الدولة الكبرى من اقتصاد مدمن على سلعة واحدة، ومسائل إسكانية شائكة أنتجت طوابير طويلة للمنتظرين الشباب للسكن بسبب ندرة الأراضي واحتكارها من متنفذين أثرياء أو الحكومة، من واقع بشر بدون هوية، إلى غياب محاربة جدية لقضايا الفساد والتسيب، وقصرها على إجراءات شكلية عشوائية أدخلتنا في متاهات أسوأ من السابق، مثل خلق نظام البصمة لضبط حضور الموظفين، فوجدنا من يبصم ويخرج ليعود من جديد ليبصم على نهاية الدوام، وتختنق الشوارع بزحمة مرور علماء الطاقة ووكالة ناسا، الذين يتنقلون من مجمع تجاري إلى آخر، ومن مقهى ومطعم إلى مقهى ومطعم آخر، وطبعاً بين كل مطعم ومطعم هناك مطعم يظهر لنا حجم الإنتاج الغزير للمشروعات الصغيرة لشباب الغد، بعدما تركت المشروعات الكبيرة للكبار طبعاً...!البيروقراطية خلقت في الأساس لضبط حكم القانون، فأضحت بإدارة مجلس الوزراء ووساطات نواب الغمة، من خلال التعيينات ووزراء الترضيات، علة العلل في الإدارة الحكومية المشلولة في أغلبها، الوظيفة العامة تخلق ليس لمصلحة عامة كما تعرف، وإنما لتوزيع الريع النفطي."حالة الاسترخاء" التي يعاني منها الاقتصاد، كما تقول يا شيخ، تعني أن الاقتصاد والسياسة في إجازة من عقود، فكم مرة كتب عن هذا الموضوع من ربع قرن وحتى اليوم دون جدوى؟ فماذا فعلتم؟! هل انتهت هذه الإجازة الممتدة يا شيخ؟ هل تتوقع أن تنتهي مع الجماعة الذين تعمل معهم ويتمددون من الأعلى (عندكم) للأسفل، وحتى إدارات "تعال باجر"، وناقصك توقيع المدير، كيف يمكن إصلاح هذا الدمار الإداري دون رؤية قرار حاسم من قبل مجلس الحكومة الدائمة بحفظ الله ورعايته؟! ومن يملك هذا الحسم عند "الجماعة" الذين تعرفهم جيداً؟ هم يملكونه طبعاً، لكنهم يخشون ممارسته، خوفاً من ردود فعل محتملة، وخشية من صداع رأس سين وجيم مجلس "اسمح لي حضرة الرئيس"، ويتمدد التسويف والتأجيل لغد مجهول.بكلام آخر هل يمكن الإقدام على الإصلاح الإداري دون إصلاح سياسي اقتصادي يسبقه؟ وهل "الربع" يعرفون ويدركون معنى الإصلاح السياسي؟! لا أدري، كم نتمنى أن نتفاءل بمثل تفاؤل الشيخ ناصر... لكن الشيطان بالتفاصيل يا شيخ، فماذا ستفعل معه؟ فنحن لسنا سعداء ولا أغنياء، نحن فقط قلقون من هذه الحال ونخشى الغد.