ماذا ستفعل مع شيطان التفاصيل؟
![حسن العيسى](https://www.aljarida.com/uploads/authors/25_1682522445.jpg)
ماذا فعل مجلس الوزراء هذا مع نكد البيروقراطية، التي هي من أهم أسباب تعاسة الدولة، إذا كان هو ذاته (مجلس وزرائكم الموقر) يفكر ويعمل بطريقة بيروقراطية مريضة، يعيد إنتاج نفسه وقضاياه بكل مرة، لا يتبدل ولا يتغير بالنسبة للوزراء الديلوكس إلا نادراً، أكثر همومه كيف يرضي شيخ فلان، وكيف يمكن مواجهة استجواب ما حتى يبقى الوزير في مكانه. قضايا الدولة الكبرى من اقتصاد مدمن على سلعة واحدة، ومسائل إسكانية شائكة أنتجت طوابير طويلة للمنتظرين الشباب للسكن بسبب ندرة الأراضي واحتكارها من متنفذين أثرياء أو الحكومة، من واقع بشر بدون هوية، إلى غياب محاربة جدية لقضايا الفساد والتسيب، وقصرها على إجراءات شكلية عشوائية أدخلتنا في متاهات أسوأ من السابق، مثل خلق نظام البصمة لضبط حضور الموظفين، فوجدنا من يبصم ويخرج ليعود من جديد ليبصم على نهاية الدوام، وتختنق الشوارع بزحمة مرور علماء الطاقة ووكالة ناسا، الذين يتنقلون من مجمع تجاري إلى آخر، ومن مقهى ومطعم إلى مقهى ومطعم آخر، وطبعاً بين كل مطعم ومطعم هناك مطعم يظهر لنا حجم الإنتاج الغزير للمشروعات الصغيرة لشباب الغد، بعدما تركت المشروعات الكبيرة للكبار طبعاً...!البيروقراطية خلقت في الأساس لضبط حكم القانون، فأضحت بإدارة مجلس الوزراء ووساطات نواب الغمة، من خلال التعيينات ووزراء الترضيات، علة العلل في الإدارة الحكومية المشلولة في أغلبها، الوظيفة العامة تخلق ليس لمصلحة عامة كما تعرف، وإنما لتوزيع الريع النفطي."حالة الاسترخاء" التي يعاني منها الاقتصاد، كما تقول يا شيخ، تعني أن الاقتصاد والسياسة في إجازة من عقود، فكم مرة كتب عن هذا الموضوع من ربع قرن وحتى اليوم دون جدوى؟ فماذا فعلتم؟! هل انتهت هذه الإجازة الممتدة يا شيخ؟ هل تتوقع أن تنتهي مع الجماعة الذين تعمل معهم ويتمددون من الأعلى (عندكم) للأسفل، وحتى إدارات "تعال باجر"، وناقصك توقيع المدير، كيف يمكن إصلاح هذا الدمار الإداري دون رؤية قرار حاسم من قبل مجلس الحكومة الدائمة بحفظ الله ورعايته؟! ومن يملك هذا الحسم عند "الجماعة" الذين تعرفهم جيداً؟ هم يملكونه طبعاً، لكنهم يخشون ممارسته، خوفاً من ردود فعل محتملة، وخشية من صداع رأس سين وجيم مجلس "اسمح لي حضرة الرئيس"، ويتمدد التسويف والتأجيل لغد مجهول.بكلام آخر هل يمكن الإقدام على الإصلاح الإداري دون إصلاح سياسي اقتصادي يسبقه؟ وهل "الربع" يعرفون ويدركون معنى الإصلاح السياسي؟! لا أدري، كم نتمنى أن نتفاءل بمثل تفاؤل الشيخ ناصر... لكن الشيطان بالتفاصيل يا شيخ، فماذا ستفعل معه؟ فنحن لسنا سعداء ولا أغنياء، نحن فقط قلقون من هذه الحال ونخشى الغد.