يحمل كتابك «النقد النظير» رؤية غير مألوفة عن الوضع النقدي السائد تصل حد الصدام. ما توضيحك لذلك؟ يدعو الكتاب إلى مراجعة مفاهيمنا وتصوراتنا حول ماهية النقد والفن والثقافة والأدب، ويخالف أعرافنا حول الكتابة في ظل ما نشهده اليوم من تسارع وتيرة التطور والتغير في الأنماط التي هيمنت علينا طويلاً ويدعونا إلى تقليب النظر.
والكتاب غير معني بتقديم أجوبة، وإن كان يفعل ذلك خلسة بين الحين والحين، حول كثير من القضايا. كذلك لا يعالج الأسئلة التي تطرحها النصوص الأدبية بمعزل عن سياقاتها، كما فعلت البنيوية مثلاً، ولكن يربطها بالتطورات العلمية والتكنولوجية والمعرفية التي أحاطت بها وتفاعلت معها... ومن ثم لا ينفي الذات أو يستبعد الإنسان، وإنما يضعه في القلب من خطابه.هل هو دعوة إلى تجديد الخطاب النقدي؟فعلاً، وأقول إن قراءة الناقد لم تعد ملزمة في هذا العصر، فمع ظهور الخطاب النقدي الجديد انتهت سلطة الناقد إلى الأبد، وأصبحت قراءته للنص الأدبي مجرد قراءة واحدة ضمن قراءات عدة لامتناهية. كذلك انتقل مركز الثقل من الكاتب والناقد إلى القارئ، خصوصاً مع ظهور نظريات القراءة والتلقي وبروز فلسفة التفكيك، وما بعد البنيوية، فأصبح النص الأدبي متعدداً وليس واحداً، وتحرر من أسر المعنى الواحد والقراءة الأحادية ليتسع إلى معانٍ لا تنتهي وتتعدد فيه المدلولات.
مراجعة التراث
هل ينعكس ذلك على علاقتنا بالتراث؟علاقتنا بالتراث في حاجة إلى مراجعة دائماً، فلا بد من أن تقوم على التفاعل والحوار لا على التسليم والاجترار. خطابات القدماء أنتجتها عقول مثل عقولنا وبشر مثلنا شكلتهم وصاغت رؤاهم معارف غير معارفنا وعلوم غير علومنا، وظروف حياتية وحضارية تختلف عن ظروفنا. كانت أطروحاتهم استجابة لأسئلة طرحتها عصورهم ولا ينبغي بحال أن تكون رؤاهم قيداً على حريتنا في التأملِ والاستشرافِ والنظر واستجابتهم بديلاً عن استجاباتنا للحظات لم يألفوها مطلقاً، العالم يتغير من حولنا. هل تعتقد بمقولة إن ثمة أدباً يموت؟الأدب الذي يموت هو الذي يبتعد عن أزمات الانسان ولكن الأدب الذي ينشغل بقضايا الحياة والموت وعلاقتنا بالمجهول لا يموت أبداً. من قال إن ثلاثية نجيب محفوظ و«الطريق» و«اللص والكلاب» و«الشحاذ» و«الحرافيش» ماتت بموت محفوظ! فقد عالج في أعماله قيماً عالمية تتجاوز الزمان والمكان حتى وإن اختلفت الظروف والملابسات.الترجمة
كيف ترى تجربتك في الترجمة بعد أكثر من 40 عاماً؟تجربة في منتهى الثراء أن تشارك ولو بقدر ضئيل في فتح نافذة كي يطل منها القارئ على المشهد العالمي، على الآخر المختلف في النظرية الأدبية والنقدية والتطبيق، والتعرف إلى أدوات جديدة للكشف عن أبعاد للنصوص الأدبية لم يكن بالإمكان الوصول إليها بالأدوات القديمة التي تآكلت من فرط الاستعمال والتكرار. التعرف إلى الاخر يساعدني على معرفة نفسي بكل تأكيد، على الأقل تحديد موقعي وعلى أية أرضية أقف. محاولة التقوقع على الذات أو التحصن داخل أسوارها هو آفة العالم العربي.كيف ترى علاقة المترجم بالنص الذي يترجمه؟على المترجم أن يكون أميناً مع النص الذي يترجمه، ينقله إلى لغته على نحو أقرب ما يكون لما أراده مؤلفه، لا حرية للمترجم في تحريف النص الأصلي لا بالإضافة أو الحذف، وإذا كان للمترجم رأي في ما ينقله، فأمامه الهامش يعترض فيه كما يشاء ويعبر عن رأيه في ما يطرحه المؤلف الأصلي وفق الطريقة التي تعجبه، أن يعارضه أو يؤلف كتاباً موازياً أما الخلط، فمرفوض.ما هي المعايير التي تضعها عند اختيار الكتب التي تترجمها؟أن تكون هذه الكتب تعبيراً صادقاً عن روح العصر، وأن تقدم الجديد، خصوصاً في ما يتعلق بالنظرية الأدبية والنقدية. ومن هنا كان اهتمامي بإيهاب حسن الذي ترجمت له «براءة جذرية، والخروج من مصر وتحولات الخطاب النقدي»، فضلاً عن ترجمتي موسوعة «الليالي العربية» التي تهدف إلى إعادة اكتشاف ما يعده النقاد الأوروبيون أهم أثر تركه العرب في مجال الحكي، وهو كتاب «ألف ليلة وليلة» الذي صدر عن «المركز القومي للترجمة». كيف ترى واقع الترجمة في العالم العربي الآن؟الترجمة في حالة انحسار في مصر عدا الجهود المميزة التي يقوم بها المركز القومي للترجمة، والهيئة العامة للكتاب، فضلاً عن الدور الذي تقوم به الهيئة العامة لقصور الثقافة. أما في العالم العربي فثمة طفرة واسعة في هذا المجال تنهض بها مؤسسات وأفراد على حد سواء، في المغرب العربي، والكويت، ولبنان.تأملات
يذهب السيد إمام في كتاب «النقد النظير.. سبعة تأملات في العصر» إلى أن رؤية إيهاب حسن كناقد وناطق باسم الثقافة كانت حالمةً على نحو خلاق، تقدم منارةً مهمة لمشروع التيارات المتعارضة كونها تعبر عن الفكر النقدي المعاصر، مؤكداً أن كل من يتصدى للإبداع، سرعان ما يجد نفسه مستغرقاً فيه.يذكر أنه صدرت لإمام أخيراً ترجمة أخرى إلى العربية لكتاب إيهاب حسن المعنون بــ«الخروج من مصر.. مشاهد ومجادلات لسيرة ذاتية». وإيهاب حسن مفكر مصري هاجر منذ حقبة الخمسينات وتوفي في أميركا قبل سنوات، وله مؤلفات تناولت مصطلح ما بعد الحداثة.