جاءت آخر شريحة من التأييد لدونالد ترامب في عام 2016 من ناخبين غير متأكدين من صلاحيته لدخول البيت الأبيض، ويبدو أنه مصمم الآن على اختبار مدى استيعابهم للفوضى قبل أن يستنتجوا أنهم اتخذوا القرار الخطأ.وعلى الرغم من كل ما يقال عن صلابة قاعدة ترامب فإن من السهل نسيان كم من الناخبين أعربوا عن تناقض حتى عندما فضلوه على هيلاري كلينتون. وقال ربع الناخبين الذين أيدوا ترامب إنهم لم يعتقدوا أن لديه المزاج للنجاح كرئيس، بحسب استطلاع ليوم الانتخابات أجراه مركز أديسون للبحوث، وقد ارتفع ذلك الرقم الى نحو 3 من 10 بين البيض المستقلين وطلاب الجامعات الذين أيدوا ترامب، بحسب معلومات لم تنشر من قبل قدمها لي مركز أديسون للبحوث.
وعلى الرغم من ذلك وحتى مع إعرابهم عن تردد إزاء رئيس المستقبل فإن أولئك الناخبين لا يزالون يرغبون في تقبل المجازفة إزاءه، وذلك إما لأنهم لا يحبون هيلاري كلينتون أو لرغبتهم في التغيير أو لأنهم يفضلون إحداث اضطراب في النظام السياسي الأميركي، وربما فكر البعض في أن ترامب سيعمد الى الاعتدال في سلوكه بعد دخوله الى البيت الأبيض.ومن الخطأ القول إن ترامب بدد تلك الآمال، وبدلاً من ذلك فهو يستمر في تحطيم قوانين السلوك الرئاسي بكل اتجاه ممكن، ويعزو الحلفاء والخصوم معاً تقلبات ترامب الى عوامل شخصية: شخصية متهورة تنفعل إزاء أي إهانة متصورة ومن دون الكثير من التفكير حول المضاعفات في الأجل الطويل وعدم تقبل النصيحة أو النظر في الأدلة.
انتهاك القواعد الرئاسية
ولكن بعد مرور عامين أصبح من الواضح أيضاً أن ترامب يرى قيمة استراتيجية في خرق القوانين الرئاسية، وقد أظهر أنه يعتقد بقدرته على الاستفادة من إضفاء سمة الغموض على تصرفات وخطوات كل من حوله بشكل دائم. وقد يكون من الأكثر أهمية أن الرئيس يهدف الى تخطي الحدود التي تقيد بها الرؤساء السابقون كي يقنع أنصاره بأنه على استعداد للمضي الى أي مدى من أجل حماية مصالحهم، ومن ذلك المنظور كلما ازدادت الأصوات التي تشجب سلوكه ازدادت إشاراته إلى قاعدته بأنه إنما يكافح من أجلها بأي وسيلة ضرورية.وحتى انتخابات منتصف الفترة كان من الشائع بالنسبة الى نقاد الرئيس ترامب الشكوى من أنه يدفع القليل من الثمن لقاء هذه التجاوزات، ولكن نتائج انتخابات شهر نوفمبر أظهرت، بطريقة جلية، أن نزعة ترامب الحربية وسلوكه الشاذ له ثمنه، فقد نال الديمقراطيون 40 مقعداً في مجلس النواب– وحصلوا على التصويت الشعبي بهامش يفوق ما حققه الحزب الجمهوري في فوزه الصارخ في 1994 أو 2010– على الرغم من أن معدل البطالة كان أقل من 4 في المئة ووصف ثلثا الناخبين الاقتصاد إما بالممتاز أو الجيد. ثم إن أداء على هذا القدر من الضعف بالنسبة الى حزب الرئيس يجب ألا يكون ممكناً في ظل اقتصاد بهذه القوة. ومال الناخبون البيض من المستقلين وخريجي الجامعات الذين شككوا على نطاق واسع منذ البداية في أهلية ترامب نحو الحزب الديمقراطي بقوة في الشهر الماضي بعد أن مالوا الى جانبه بشكل طفيف في عام 2016.مضاعفة مسار الفوضى
وبدلاً من النظر الى ذلك التحول على شكل إشارة تتطلب إعادة النظر في طريقة عمله ضاعف ترامب مسار الفوضى منذ يوم الانتخاب، وهو محاط في الوقت الراهن بثلاث أزمات لافتة نجمت كلها عن تصرفاته وقراراته.وقد عجل ترامب بحدوث أزمة دبلوماسية من خلال إعلانه بصورة مفاجئة نيته سحب القوات الأميركية من سورية، وكان أن دفع ذلك وزير الدفاع جيمس ماتيس الى الاستقالة وضاعف الهزة الأولية في هذا الصدد.كما عجل بأزمة حكم عبر فرض إغلاق جزئي للوكالات الفدرالية عن طريق طلبه تخصيص خمسة مليارات دولار من أجل بناء جدار على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، وهو إنذار كانت الإدارة الأميركية نفسها أقرت قبل عدة أيام فقط بأنه لن يحصل على 60 صوتاً في مجلس الشيوخ.وقد أثار أزمة أسواق مالية من خلال إغلاق الوكالات الفدرالية والتهديد بحرب تجارية مع الصين وهجماته المتكررة عبر "تويتر" على رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي جيرومي باول، كما أسهم وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين في هذه العملية من خلال جهوده الرامية إلى تهدئة الأسواق في الأسبوع الماضي.ويجادل المدافعون عن ترامب بأن في وسعه الفوز في كل هذه الأزمات سياسياً (على الرغم من هذا الجانب يبدو صعباً في قضية الجدار مع المكسيك التي واجهت معارضة الأكثرية في كل استطلاع للرأي جرى في فترة رئاسته)، ولكن الخطر الأكبر الذي يواجه ترامب يتمثل في زيادة مستويات هذه القضايا على صعيد المواجهة وعدم الاستقرار وتشبيه وضعه على شكل من يحاول تحديد موجة واحدة في طوفان.قد تتراجع كل واحدة من هذه الأزمات في سنة 2019 ولكن المسار الإجمالي لرئاسة ترامب يشير الى المزيد من الفوضى لا العكس، وقد أقال ترامب بصورة منهجية مجموعة من المستشارين مثل جيمس ماتيس الذي يعتبر العنصر المقيد الأكثر قوة إزاء سلوك ترامب، كما أن ترامب سيواجه استفزازات جديدة يحتمل أن تفضي الى اثارة تهوره وخصوصاً من جانب الأكثرية الديمقراطية في مجلس النواب التي ستحقق في كل جانب من رئاسته (بما في ذلك أمواله الشخصية) ويلوح في الأفق احتمال الإدانة من جانب المحقق الخاص روبرت مولر ونشر تقريره النهائي حول ترامب وروسيا وحملات الرئاسة في عام 2016. وفي سنة 2019 أيضاً قد يصبح التفجر خطراً كبيراً يهدد ترامب بالتواطؤ.ومع هبوط أسواق الأسهم في شهر ديسمبر أصبح من الشائع بالنسبة الى المتداولين الماليين ابلاغ الصحافيين بأنهم يرون الآن خطراً حقيقياً في رسائل ترامب على "تويتر" ومؤتمراته الصحافية التي كانوا يعاملونها على شكل ضجة فقط وراء سياسات يدعونها بصورة عامة. ولكن منذ خسائرهم في شهر نوفمبر الماضي رددت قلة فقط من الجمهوريين في الكونغرس ذلك الحكم، وحتى في خضم الاضطراب الكبير الحالي ابتعدت قلة فقط بشكل علني عن موقف ترامب إزاء إغلاق الوكالات الفدرالية أو هجماته على مجلس الاحتياط الفدرالي، وفي حين انتقد البعض قراره المتعلق بسوريا وأعبوا عن الأسف لاستقالة جيمس ماتيس فقد أقر عدد قليل بالمخاوف الخاصة الأوسع ازاء عملية اتخاذ القرار من جانب ترامب والاستقرار في الولايات المتحدة.وقد يخلق انهيار السوق بشكل خاص الضغط الأشد على ترامب من أجل التحكم في سلوكه، ولكن ما دام أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري يرفضون علانية طلب التغيير فإن أمواج الفوضى النابعة من المكتب البيضاوي ستشهد مزيداً من الارتفاع على الأغلب، ومن خلال صمتهم يراهن الجمهوريون على أن في وسعهم تحمل تلك الموجات في عام 2020 بشكل أفضل مما فعلوه في سنة 2018.* رونالد براونستين