طالما كان الحرم الجامعي أحد أقدم الأحلام والطموحات للأجيال المتعاقبة منذ الاستقلال، سواءً النخبة الأكاديمية أو الطلبة أو أولياء الأمور، وطالما كانت العراقيل، وخاصة السياسية منها، تقف حجر عثرة أمام هذه الرغبة الحضارية حتى عام 2004 عندما صدر قانون إنشاء المدينة الجامعية تحت اسم مدينة صباح السالم الجامعية، ولم يسلم المشروع الوليد من محاولات وأده أو تغيير مساره، وأخيراً تعطيله ما أمكن من خلال التراخي وكثرة الأوامر التغييرية والحرائق المتكررة، لكن شاءت الإرادة والإصرار إلا أن تنتصر في النهاية، وبدأت ملامح هذا الصرح الأكاديمي بالظهور، وأعلنت الإدارة الجامعية خطة الانتقال إليه رغم عدم جاهزيته من الناحية اللوجستية، ورغم الكثير من الملاحظات الفنية والعلمية التي قد تمدد فترة عملية التحول الكامل إلى الجامعة الجديدة عدة سنوات أخرى، الأمر الذي قد يكون قابلاً للهضم بسبب استمرار الضغوط حتى اللحظة الأخيرة لبلع المشروع كلياً أو حتى جزئياً.لكن عملية الانتقال وفلسفتها لا تبشر بالخير، ولا علاقة لذلك بالانتقال المرحلي للكليات الجامعية تباعاً وفق جدول زمني طويل، ولا حتى من حيث جاهزية المدينة الجامعية وخدماتها، ولكن بسبب إصرار الإدارة الجامعية على الفصل بين حرم الإناث وحرم الذكور وفقاً لقانون منع الاختلاط الذي ألغته المحكمة الدستورية قبل عدة سنوات، نعم تم بناء المدينة الجامعية الجديدة وفق قانون الفصل بين الجنسين، ولكن النتيجة أننا أصبحنا نمتلك جامعتين متكاملتين من جميع النواحي الخاصة بقاعات الدرس والمكتبات ومكاتب أعضاء هيئة التدريس والمكاتب الإدارية والمختبرات والخدمات ومواقف السيارات وغيرها من متطلبات حرم جامعي غير منقوص، ولذلك فإن تكرار جامعة الكويت الجديدة في حرمين متشابهين يعتبر هدراً غير مسبوق وغير مبرر على الإطلاق، بل قد يصطدم مع الواقع الجديد ويربك العملية التعليمية برمتها في ظل تطبيق المقررات المشتركة للبنات والبنين المعمول به حالياً، ويزداد هذا التعقيد في ظل خفض الموازنة السنوية للجامعة.
الخطورة الكبرى تكمن في انكشاف هذا الخطأ القاتل وإقرار الجامعة بعد استكمال عملية الانتقال بأنها سوف تستغني عن أحد حرميها، الأمر الذي يسيل له لعاب المتنفذين للاستحواذ عليه وتحويله إلى ملكية خاصة ترضع من ثدي الحكومة بالمجان! ولذلك فإن المسؤولية التاريخية والأمانة الأكاديمية تقتضي المحافظة على هذا الصرح لغايات تعليمية جامعية، وفي مقدمة الاقتراحات الواعدة في هذا الصدد تحويل أحد الحرمين الجامعيين، خاصة حرم البنين وهو الأصغر إلى جامعة حكومية جديدة بتخصصات عصرية جديدة مثل الدراسات المستقبلية أو ما وراء تقنية المعلومات الرقمية أو أمراض العصر الجديدة التي تواكب احتياجات ما تبقى من القرن الحالي، أو تحويل هذا المرفق إلى جامعة تربوية حديثة متكاملة ومنسجمة مع متطلبات التعليم الحديث في ظل تدهور مخرجات التعليم على مدى السنوات الأخيرة.قد يخشى البعض من التغيير، وقد تكون عقلية الخوف من الجديد مسيطرة على عقول ونمط تفكير حتى النخبة الأكاديمية، ولكن هذه دعوة للأخ الفاضل وزير التربية ووزير التعليم العالي وهو أحد أساتذة الجامعة ليضع ولو لبنة خالدة في التعليم العالي الكويتي، ونقولها بكل صدق وإخلاص بأننا لو فكرنا في مستقبل التعليم الجامعي بقدر همنا وتفكيرنا بالكورس الإضافي أو الكورس الصيفي لكنا متقدمين أكثر وأكثر في رحاب الجامعة!
مقالات - اضافات
بدل الجامعة جامعتان!
04-01-2019