«أزمة العبادي» تكشف فجوة عميقة بين أقطاب الاعتدال في العراق
عاد رئيس الحكومة العراقية السابق حيدر العبادي مجدداً إلى الأضواء، لكن هذه المرة بفضل إجراءات أمنية قال إنها تستهدفه سياسياً وشخصياً داخل المنطقة الخضراء حيث مقرات الحكومة في قلب بغداد، مما أثار تكهنات عديدة بشأن مستقبله السياسي، وعلاقته بالقوى التي كثيراً ما دعمت نهجه المعتدل في أصعب ظروف البلاد.وأعلن العبادي، الأسبوع الماضي، أن قوات حماية رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي حاصرت مقر إقامته في المنطقة الحكومية، ثم عاد وأعلن أن الأخير اتصل به، وأكد له عدم علمه بأي إجراء يستهدفه، في وقت ذكر مستشارون لدى الحكومة، في لقاءات متلفزة، أن ما جرى هو سوء فهم بين «حمايات» العبادي وقوات الحكومة لأغراض تنظيمية داخل الموقع ذي الحساسية الفائقة.لكن المقربين من العبادي ظلوا يتحدثون عن أنه مستهدف، ويتعرض لنوع من العقوبة، بسبب إجراءاته التي كافحت نفوذ الميليشيات وإيران خلال عهده، الذي استمر من 2014 حتى أكتوبر الماضي.
إلا أن عبدالمهدي يعد من مهندسي الإصلاحات التي يتبناها الجناح المعتدل، وعلى علاقة طيبة مع العبادي، إذ نجحا في تصميم واحدة من أكثر عمليات انتقال السلطة سلاسة، الخريف الماضي، ويستبعد المراقبون أن يسمح عبدالمهدي بتعرض سلفه الإصلاحي لمضايقات، رغم أن ذلك لا ينفي وجود فجوة في العلاقة بين العبادي والقوى المعتدلة التي دعمته طوال أعوام. وتقول مصادر رفيعة شيعية وكردية إن العبادي يشعر بأنه يتعرض للإهمال، وخاصة بعد تفكك كتلة النصر النيابية التي يتزعمها إثر انشقاقات قيل إن سببها إيران الساخطة عليه، ولذلك يحاول أن يستغل أي مناسبة أو حادثة مهما بدت ثانوية، كي يعود إلى الأضواء.غير أن المصادر تعترف في الوقت نفسه بأن الجناح المعتدل، الذي تسلم السلطة، لم يبذل ما يكفي لرعاية العبادي وتوفير التطمينات الكافية له داخل أجواء يكثر فيها خصومه داخل حزبه بزعامة نوري المالكي، وفي أوساط الميليشيات الموالية لإيران.وتذهب المصادر إلى أبعد من ذلك مؤكدة أن البرود في العلاقات لا يقتصر على العبادي بل هنالك فتور واضح في العلاقة بين عبدالمهدي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، راعي تحالف «سائرون»، أكبر كتل البرلمان، إذ لم يلتقيا منذ تشكيل الحكومة، كما أن رئيس الجمهورية برهم صالح نفسه لم يذهب بعد إلى النجف، وهو الذي حصل على موقعه هو وعبدالمهدي، بفضل دعم نجفي وصدري واضحين بالدرجة الأساس.ويعود هذا الإرباك إلى أن تشكيل الحكومة الأخيرة تم بقواعد جديدة تفرضها مرحلة ما بعد الحرب على «داعش»، إذ جاء رئيس الوزراء من خارج الأحزاب باشتراط ألا يستوزر وجوهاً حزبية، ثم انتهى الأمر إلى وزراء تكنوقراط رشحتهم الأحزاب، مع بقاء حقيبتي الدفاع والداخلية شاغرتين، وسط تنافس إيراني وأميركي على دعم المرشحين لهما.وتذكر المصادر أن قيادات رفيعة داخل الجناح المعتدل تستعد لبدء جولات حوار داخل هذا المعسكر لتخفيف مستوى الجفاء الذي يسود العلاقة بين أقطابه، وخاصة مع تصاعد الاحتكاك الأميركي - الإيراني على الأرض العراقية، الأمر الذي يتطلب تحسباً لما قد يقوم به تكتل نيابي واسع مقرب من طهران أثناء نشوب أزمات لا يبدو أنها ستتراجع في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتغييرات المتسارعة التي يقوم بها في فريقه الأمني والسياسي ذي الصلة بملف العراق.