سبق لمركز جابر الأحمد الثقافي، في موسمه الثقافي الأول، أن قدَّم تجربة مهمة لفتت الأنظار، وأشاد بها الجمهور. وتجسَّدت تلك التجربة في مشاركة موسيقيين كويتيين مع أوركسترا بوخارست الفيلهارموني، واستمع الجمهور من خلالها إلى أعمال موسيقية بأداء أوركسترا عالمي. وفي ترجمة لشعار الموسم الحالي (جسور ثقافية)، كرر المركز تجربته مع مجموعة جديدة من المقطوعات الموسيقية للمؤلفين الكويتيين: يوسف حلاوة، محمد الحمدان، عبدالعزيز شبكوه، خالد نوري، ومشعل حسين، ليقدمها أوركسترا زغرب الفيلهارموني، بمصاحبة عازفين من الكويت أيضا.
ومن خلال الحوار الذي أداره مدير الموسيقى في مركز جابر الأحمد الثقافي د. أحمد الصالحي، بعنوان "موسيقيون كويتيون مع حفل أوركسترا زغرب الفيلهارموني" بالقاعة المستديرة بالمركز، في "حديث الاثنين"، تعرَّف الحضور على الموسيقيين المشاركين في هذه التجربة الجريئة والواعدة بالأمل في خلق تواصل بين موسيقانا وموسيقى العالم. وتحدث المشاركون عن تطويع مقطوعاتهم الموسيقية، وكتابتها بصيغة أوركسترالية تلتزم الشكل الغربي الكلاسيكي. وتناول الحوار أيضا التحديات التي واجهت المؤلفين والعازفين، وطبيعة التعاون مع فريق الأوركسترا المشارك، والفرص المتاحة أمام الموسيقى الكويتية كي تتخطى حاجز القوالب التقليدية، دون الإخلال بهوية اللحن الكويتي الأصيل. وتمنى د. الصالحي أن تكون هناك حفلة أوركسترالية كاملة تعزف لمؤلفين كويتيين. وتميَّز الحوار بعرض نماذج لمقطوعات موسيقية، وأكد المشاركون أن الجمهور تقبل مؤلفاتهم، وأنها لاقت استحسانا كبيرا واهتماما منهم، لأنهم أعطوا الصبغة المحلية والنسيج الهارموني الجديد.
عمل عالمي
من جهته، قال محمد الحمدان إنه ألَّف مقطوعة السيمفونية على قالب السونتا بعنوان "الأرض الخضراء"، لافتا إلى أن العمل عالمي، لكنه بطابع وأسلوب شرقي، مشيرا إلى أن "تلك الأعمال العالمية لا تعد غربية فقط، فذلك القالب بالإمكان أن يتشارك فيه الكل وفق التأليف". ومن المعروف أن الحمدان ألَّف عددا من الأعمال على مختلف القوالب الشرقية، مثل: السماعيات واللونغات والموشحات، ومجموعة من الأغاني، إلى جانب أوركسترالية "موسيقى تصويرية"، وغيرها، إضافة إلى الدراسات الموسيقية. وعن "الأرض الخضراء" قال إنه بدأ في كتابتها عام 2015، ثم تركها بعد ذلك فترة طويلة وعاد إليها في عام 2018.وأوضح الحمدان: "بعد أن أبلغني د. الصالحي بفكرة المؤلفات الكويتية ذات الطابع الأوركسترالي، كان ذلك دافعا لي لإكمالها، حيث إني من عشاق الأعمال الأوركسترالية". وعن سبب تسميتها بـ"الأرض الخضراء"، قال إن "ذلك يعود إلى عشقي للخضرة والأماكن المخضرة".«الهوى»
من جانبه، تحدث أستاذ مساعد لآلة الكمان في المعهد العالي للفنون الموسيقية خالد نوري عن مقطوعة "الهوى"، موضحا أنها تتكون من ثلاثة مقاطع؛ مقدِّمة موسيقية، وهي عبارة عن جُملة استهلالية تمثل الحرف والصنعات الكويتية قديما، والمقطع الثاني هو الجملة الأساسية بعنوان "يا ذا الحمام"، وإيقاعها مخالف، فيما يمثل المقطع الثالث مراحل التطور بالكويت يصاحبه إيقاع دواري.بدوره، تحدث عبدالعزيز شبكوه عن إثراء الألحان الكويتية الشعبية بطابع عالمي أكاديمي، وقال إن موسيقى "القرين" مستوحاة من لحن كوتي قديم "صوت شامي" هو "يا خالق الخلق"، من ألحان عبدالله الفرج. وبيَّن شبكوه أن سبب استخدامه وتأثره بهذا الصوت يعود إلى لحنه السهل والبسيط والمألوف، إضافة إلى تشجيع بعض المهتمين للاستلهام من التراث الكويتي، وإبرازه بصورة أوركسترالية، حيث درج المؤلفون العالميون على استخدام ألحان التراث الشعبي، وتقديمها بصورة ورؤية جديدة تصل إلى الجمهور بأجمل شكل. وعن سبب تسمية "القرين"، قال: "نتيجة نقاش مع المختصين توصلنا في نهايته إلى اختيار اسم الكويت القديم؛ القرين، كرمز ودلالة على عراقة اللحن، الذي يتناول ضرب الصوت، وهو أحد الضروب الكويتية بشكل مغاير للمألوف". وفيما يتعلق بـ"رقصة الجواري"، وهي سماعي حجاز، أوضح شبكوه أنها تمثل وجود أربع جوارٍ يرقصن بأربع خانات أو حركات موسيقية مختلفة، ولكل خانة شخصية منفردة، ولا يجمع بينها سوى لحن التسليم كعامل مشترك، وهو اللحن المتكرر بعد كل خانة، وكل خانة تنتمي إلى رقصة معينة. وذكر أن عنوان مقطوعة "رقصة الجواري" استوحاه من قراءته للحكايات في كتاب "ألف ليلة وليلة".قطعة موسيقية حُرة
فيما استهل يوسف حلاوة كلامه بالتأكيد على أهمية العود، حيث يرى أنها من الآلات العربية التي تستحق أن تكون لها مؤلفاتها الخاصة مثل الآلات الغربية، ومن هنا جاءت رغبته في إثراء المكتبة الموسيقية بمؤلفات لهذه الآلة. وقد اختار حلاوة لهذه المقطوعة اسم "فانتازيا"، لأنها قطعة موسيقية حرة، لا ترتبط بقالب أو وزن موسيقي محدد، ما أتاح له فرصة إدراجها ضرب السماعي الثقيل. ولفت إلى أن هذه "الفانتازيا" عبارة عن موسيقى تأثيرية تصوِّر جانبا من الأحاسيس والمشاعر العاطفية التي يعبِّر من خلالها عن خياله وفكره، وهي بمنزلة رحلة لآلة العود بمصاحبة الأوركسترا.من جهته، أوضح أستاذ آلة الكلارنيت في المعهد العالي للفنون الموسيقية بالكويت مشعل حسين، أن "البوشية" قطعة مستلهمة من لحن تراثي على ميزان إيقاع السامري، والذي يقابل في موازين الإيقاعات العالمية ميزان الفالس.وأشار حسين إلى أنه عمد إلى تطبيق بعض عناصر التأليف الغربي الكلاسيكي، من خلال عرض الجُملة اللحنية الأساسية، وتناولها على درجات متعددة من نغم السلم أو المقام، إضافة إلى تنويعات عليها، بمصاحبة نسيج هارموني متنوع بين الكلاسيكي والحديث.ومن المعروف أن حسين قدَّم موسيقى الألحان التراثية بأسلوب حديث، من خلال العزف الحي في عدة مهرجانات ثقافية؛ محلية ودولية، كمهرجان "صيفي ثقافي" الحادي عشر للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والمهرجانات الدولية، كمهرجان جرش بعمان، ومهرجان نور الثقافي.