أظهر التقرير الأخير الخاص بمتابعة الخطة السنوية 2018/2019 قصوراً لافتاً في تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة في الكويت، رغم احتياج الدولة إلى هذا النوع من الطاقة، خلال السنوات المقبلة، لاسيما في ظل نمو الإنفاق على الطاقة الكهربائية والمائية، على الأقل إلى عام 2030 موعد قياس معظم الدراسات الحكومية.ويمكن تعريف الطاقة المتجددة، بشكل مبسط، بأنها المستمدة من الموارد الطبيعية التي لا تنفد، كالرياح والمياه والشمس، كما يمكن إنتاجها من حركة الأمواج والمد والجزر، وحتى في بعض الأحيان من المحاصيل الزراعية والأشجار المنتجة للزيوت.
فالكويت التي تعتبر أولى دول الخليج في تبني ملف الطاقة المتجددة منذ سبعينيات القرن الماضي هي في المقابل أبطأ دول المنطقة في التنفيذ الفعلي، إذ تستهدف في عام 2020 أن تمثل الطاقة المتجددة 3 في المئة فقط من إجمالي الطاقة المستهلكة، ترتفع في 2030 إلى 15 في المئة من إجمالي الاستهلاك. وحتى هذه الأهداف، رغم محدوديتها، تعاني قصوراً في التنفيذ، خصوصا ان دول الخليج الاخرى تستهدف خلال العام المقبل مثلا مستويات تتجاوز ما تتطلع إليه الكويت بعد 11 عاماً، فقطر تريد ان تكون الطاقة المتجددة لديها العام المقبل 2020 بما لا يقل عن 18 في المئة، أما الإمارات وعمان فتستهدفان 10 في المئة من هذه الطاقة عام 2020، والسعودية تتطلع أيضا العام المقبل إلى نسبة تناهز 15 في المئة من طاقتها للطاقة المتجددة. وحاليا تحقق الكويت 1% من إنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة المتجددة حسب بيانات عام 2018.
مسؤولية الجهات
اللافت أن مسؤولية الطاقة المتجددة محليا تدور بين 4 جهات حكومية، هي وزارة الكهرباء والماء والهيئة العامة للاستثمار، من خلال شركتها الوطنية للمشاريع التكنولوجية، ومعهد الكويت للابحاث العلمية، وأخيرا مؤسسة البترول الكويتية التي يعد مشروعها «الدبدبة» الأفضل بين بقية المشاريع، لأنه لا يزال في مرحلة الطرح، رغم ان هدفه الاساسي توفير 15 في المئة من احتياجات المؤسسة بحلول العام المقبل. أما المشاريع الاخرى للطاقة المتجددة فهي في مراحل ما قبل الطرح أو التعثر، كما بيّن تقرير متابعة الخطة السنوية في مشروع تشغيل الألواح الكهروضوئية على أسطح خزانات مياه «الصبية الأرضية»، أو مشروع «مركز تحلية المياه» باستخدام الطاقة المتجددة، والذي رصد له ميزانية لم ينفق منها اي مبلغ حتى الآن.ليست برستيجاً
حاجة الكويت للطاقة المتجددة ليست برستيجاً نتباهى به أمام العالم لاعتبارات بيئية فقط، بل ضرورة اقتصادية ومالية ملحة، فالكويت بحسب بيانات القطاع النفطي تستهلك نحو 350 ألف برميل يومياً من النفط لأغراض توليد الكهرباء وتحلية المياه، أي ما يعادل 12 في المئة من إنتاج النفط الكويتي بكلفة تناهز 3 مليارات دينار سنوياً، مع توقع استهلاك ما يوازي 700 ألف برميل يومياً بحلول عام 2030، والارتفاع إلى مليون برميل نفط يومياً بحلول عام 2035، أي ما يعادل ربع انتاج النفط المتوقع انتاجه حينها، مع الاخذ بعين الاعتبار ارتفاع عدد سكان الكويت من 4.4 ملايين نسمة حالياً إلى 5.5 ملايين نسمة في ذلك الموعد، حسب توقعات الادارة العامة للإحصاء، مما يعطي مؤشرات لمزيد من استنزاف الثروة الطبيعية، فضلا عن تنامي الأكلاف المالية.المدن الجديدة
هذه الأرقام، على ما تثيره من قلق مستقبلي، لا تجد أي صدى فعلي خارج إطار التصريحات الرسمية، والمقصود هنا اثر مشاريع الطاقة المتجددة في مستقبل المدن الجديدة، فحسب الخطط الموضوعة لدى وزارة الكهرباء والماء فإن الكويت تحتاج لمضاعفة الإنتاج الحالي من 15 و16 ألف ميغاواط إلى نحو 30 ألف ميغاواط، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المدن الجديدة والمستقبلية من المتوقع أن تحتوي أكثر من 120 ألف وحدة سكنية، وبالتالي فإن إهمال مشاريع الطاقة المتجددة في المدن الجديدة -وهو ما يتم فعلياً في الوقت الحالي؛ إذ تخلو مشاريع المؤسسة العامة للرعاية السكنية من أي خطط لاستغلال الطاقة المتجددة ولو بنسبة معينة في بناء المدن الجديدة- سيعني من ناحية أولى رفع كلفة انتاج الطاقة، ومن ناحية ثانية خفضا لمستوى الخدمة في المدن الجديدة، نتيجة للضغط المرتفع على إنتاج الطاقة التقليدية، إضافة إلى التخلي عن الفوائد البيئية الناتجة عن الاعتماد على «المتجددة» والحفاظ على الثروة الطبيعية من الاستنزاف.وتشير التوقعات الرسمية إلى أن تأمين 15 في المئة من استهلاك الطاقة فقط من مصادر متجددة سيوفر 800 مليون دينار سنوياً حتى عام 2030، أي نحو 4 في المئة من الميزانية السنوية الحالية، فضلاً عن الآثار غير المباشرة كالاستفادة البيئة والصحية، مما يعني أن هذه المشاريع تعطي عوائد مالية وتنموية أكثر رشداً وقيمة من مشاريع التوفير الحكومية أو تلك المتعلقة بالجباية كرفع أسعار البنزين أو ضريبة القيمة المضافة، وغيرهما إن تم تنفيذ هذه المشاريع بشكل حصيف واقتصادي.