مجلس المعازيب!
ما شاهدناه من مساجلات في مجلس الأمة خلال الفصل التشريعي بشكل عام، وفي الجلسات الأخيرة بشكل خاص، يعكس صورة حقيقية لمشهدنا السياسي الذي بات يدار في إطار من الفوضى والعشوائية وغياب أي بوصلة تتمتع برؤية أو برنامج أو حتى أهداف متفرقة هنا وهناك.شخصياً لا أهتم بمضمون التراشق ولا مستوى العبارات التي أصبحت ظاهرة مكررة وسخيفة سواءً على صعيد المداخلات النيابية أو الجدال بين الرئاسة والنواب، فمثل هذا الطرح لا يحتاج إلى أي تحليل أو تفسير ليستدل على ضياع هيبة مجلس الأمة وانحداره إلى ما دون حتى ما يدور في الكثير من المنتديات الهابطة أو على صفحات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الفراغ الكبير الذي تعيشه السلطة التشريعية من الأطروحات الجادة أو المنظور السياسي لمستقبل البلد ولا حتى حاضره المحتضر.هذه هي إحدى أهم نتائج نظام الصوت الواحد الذي تؤكد الأحداث اليومية والمواقف المتتالية مدى هشاشته وخطورته، ليس على وقف التطور الديمقراطي وآليات العمل السياسي فقط، بل على النسيج المجتمعي والنفخ في تمزيقه وتشويهه بشكل منظم ومقصود.
هذا كله صوب، ومسخرة المعازيب تأتي في صوب آخر، وقد تكون مسألة المعازيب أداة للتشهير والضرب تحت الحزام وإسقاط الشخصية، وقد تكون أيضاً مناسبة لإيصال رسائل غير مباشرة سواءً لمن نعتبرهم معازيب خصومنا السياسيين، أو بالعكس رسائل ولاء واطمئنان لمعازيب آخرين بأننا هنا ولا تشيلون هم!السؤال المهم: متى كان العمل السياسي بعيداً عن المعازيب؟ وعلى فكرة فإن كل كويتي يعرف تمام المعرفة أن كلمة "معزب" لا تطلق إلا على الشيوخ من أبناء الأسرة، وهذا أمر لا يمكن إنكاره في ظل انعدام التنظيمات السياسية الحقيقية والمستقلة أو تراجع دورها أو حتى رضوخها بين فترة وأخرى لمعزب ما.بمعنى آخر، الحكومة التي تسمى السلطة التنفيذية، هي المجمع السياسي لهيئة المعازيب، فهي التي تملك القرار وهي من تتحكم في توزيع المناصب في الدولة بدءاً بالموظف البسيط وانتهاءً بالوكيل والوزير، وهي التي تشرف على صرف ميزانية قوامها 100 مليار دولار سنوياً، وهي من ترسي المشاريع والمناقصات، وهي من تحدد النظام الانتخابي، بل تذلل كل الوسائل لإيصال الموالين لها حتى إلى قبة البرلمان، وقد تمنع المشاغبين من النجاح أو تلاحقهم لمنع ترشحهم أو حتى إبطال عضويتهم إن فازوا.فالصراع إذاً هو على الحكومة، وأبطال هذا الصراع لا يمكن أن يكونوا من غير المعازيب، وما نراه من استقطابات سياسية وخلافات وصراعات مردها في الغالب صراع الكبار، إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، وبروز تيارات أو شخصيات برلمانية أو غيرها أو انحسارها يصب "غصب طيب" في معادلة صراع المعازيب، وأبرز دليل على ذلك عندما تشتد المنافسة بين هؤلاء الكبار، كما يحدث الآن تحديداً، ينعكس ذلك على الطرح النيابي الذي نراه مؤخراً، فالكل له معزب إلا ما ندر، يرتفع ويسقط ببروزه أو تهميشه، ومن ليس له معزب يكون دائماً في القاع كما هي حال غالبية الشعب المقهور!