في التراث الصيني القديم حكمة تقول "الرجل الحكيم لا يمسك ثرواته، وكلما ازداد عطاؤه للآخرين ازداد ما يحصل عليه"، حضرتني هذه المقولة وأنا أتابع عن كثب تلك الجهود الحثيثة التي يقوم بها الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، في ترجمة دقيقة لتوجيهات صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح، حفظه الله ورعاه، في هذا الأمر من أجل بناء علاقة شراكة وتعاون استراتيجي حيوي بين الكويت والصين. والحقيقة التي يبدو أن جزءاً كبيراً منها ظاهر لكثيرين هي أن وجود مسؤولين كالشيخ ناصر صباح الأحمد، يمثلون بالفعل القدرة على نقل المشهد من حالة (الانتظار) إلى حالة التقرير وصناعة المستقبل، فحتى الآن المؤكد أن القيادة الدولية ستستقر عاجلاً أو آجلاً من جديد في قطبية ثنائية مرة أخرى، ربما تبذل روسيا بالفعل جهداً كبيراً في سبيل ذلك داخليا وخارجيا، لكني في مقال اليوم أضيف أن الصين ستكون الأجدر بهذه المكانة، وهو ما يجعلني أستكمل مبررات اهتمامي بهذه الجهود التي تقوم بها الكويت تجاه الصين تحديداً، لاسيما في قدرة القيادات على القراءة المستقبلية لمجريات الأحداث وتطوراتها، أضف إلى ذلك أن الكويت من أولى الدول العربية والخليجية التي بادرت الى بناء علاقات ودية واقتصادية قوية مع الصين، ناهيك أن الأخيرة ترتبط مع العرب عموماً بعلاقات قديمة متجذرة تعود لأكثر من 2000 عام.
فى المشهد الراهن كان واضحاً خلال الزيارات، التي قام بها الشيخ ناصر الصباح والتي أرست في رأيي للكويت تجسيراً حقيقيا لتلك العلاقة القائمة، في كيف أن القدرة على الاستفادة من الإمكانات المتاحة والقدرة على صياغتها تظل الرقم الأصعب في المعادلة، وهذا التطور اللافت لصناعة السياسات الكويتية. إن الكويت أول دولة عربية تقوم بتوقيع مذكرة تفاهم للتعاون مع الصين وذلك في المبادرة التي عرفت وقتها بــ"الحزام والطريق"، الذي يقدم بما يُتيحه نافذة جديدة للكويت يمكنها من خلالها تطوير منطقتها الاقتصادية الحرة في الشمال، وإقامة جزر وميناء كما هو معلن يتوقع له أن يكون محوراً رئيسا للنقل الإقليمي وتجارة الترانزيت مع قدرته على التزود بوسائل نقل حديثة وسكة حديد تخدم المنطقة وضمنها (مدينة الحرير). أيصاً جسر (جابر) الذي يصنف كأحد أطول الجسور في العالم، والمدرج هو الآخر ضمن رؤية الكويت 2035، وعليه لم يكن مفاجئاً حين كشف الشيخ ناصر في إحدى زياراته المتكررة للصين بأن "الكويت والصين كانتا تتباحثان منذ أكثر من ربع قرن لإحياء طريق الحرير القديم"، الأمر كما هو واضح أن هناك تطورا مرنا في ذهنية السياسات الخارجية، والتمسك بقاعدة ما هو قائم لبناء علاقة استراتيجية مع قوة دولية جديدة وبثقافة ونوايا قوية تضع المستقبل أساسها، وإن لم يخرج بعيداً عن الالتزام بسياسة الكويت القائمة على السلم والنأي عن الصراعات. ولا ننسى أن مثل تلك السياسات تظل جزءاً واقعياً مطلوبا خاصة مع الوضع الإقليمي والدولي القائم، وهي في الوقت نفسه تمثل مشروعا مستقبليا ينأى عن التمسك بالحاضر فقط، ويتعداه لخلق البدائل المستقبلية والعبور بها بأريحية لفضاءات المستقبل دون صناعة عداوات أو محاور وتحالفات موجهة ضد أحد، الصين اليوم تقدم نفسها لنا كما لغيرنا كمشروع مستقبلي، والكويت باتت تدرك ذلك أكثر من غيرها، نعم هناك شراكة خليجية لكن الخطوات الكويتية تبدو الأكثر اتساعاً وبراغماتية لترجمة هذه الشراكة. على كل حال هذا الاجتهاد في رأيي البسيط يبقى مجرد ملاحظات عابرة أرى من خلالها أن هذا الرجل يمضي في طريقة باقتدار متحسساً خطواته جيداً وعارفاً بأدواته بعيداً عن الانشغال بقضايا وأزمات وضربات قاضية تلقتها مناطق ودول على حلبة سياساتها المرتبكة، وحفظ الله الكويت عزيزة برجالها الأقوياء عامرة بحب أبنائها لها.
مقالات - اضافات
الصين... شراكة بما يُتيحه التاريخ
11-01-2019