واشنطن: سنطرد آخر إيراني من سورية
بومبيو: على دول المنطقة تجاوز الخصومات لمواجهة طهران ولن نقبل «حزب الله» كأمر واقع
● «خريطة» ما بعد الانسحاب الأميركي من سورية «قاتمة»... وجهود أميركية لـ «الاحتفاظ» بالعراق
في خطاب أُريد له أن يذكّر بكلام الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في جامعة القاهرة عام 2009، الذي وجّهه إلى العالم الإسلامي، أطلق وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو جملة من المواقف الشاملة، حاول فيها طمأنة الحلفاء، مشدداً على أن قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من سورية لا يعني الانسحاب من المنطقة، إذ ستبقى القوات لمواجهة «أهم الأخطار في المنطقة».وبعد لقائه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري، أكد بومبيو، في كلمته أمام الجامعة الأميركية في القاهرة التي تعد واحدة من أكبر جامعات المنطقة، أن بلاده ستواصل العمل من خلال «الدبلوماسية» مع حلفائها، من أجل «طرد آخر جندي إيراني من سورية».وشدد على أن الضربات الجوية التي تقوم بها واشنطن في إطار التحالف الدولي بمنطقة الشرق الأوسط ستستمر كلما ظهرت أهداف جديدة.
ودعا الوزير الأميركي، القادم من بغداد في إطار جولة تشمل دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، جميع دول المنطقة إلى تجاوز «الخصومات القديمة» لمواجهة إيران، مؤكداً أن إدارته «تعمل لإقامة تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط لمواجهة أهم الأخطار في المنطقة».وتعهد بومبيو بأن تواصل بلاده العمل على أن «تحتفظ إسرائيل بالقدرات العسكرية»، التي تمكنها من «الدفاع عن نفسها ضد نزعة المغامرة العدوانية للنظام الإيراني»، معتبراً أن «حزب الله له وجود كبير في لبنان، لكننا لن نقبل ذلك كأمر واقع». وأشار إلى أن الفوضى التي شهدتها المنطقة منذ أحداث الربيع سببها سياسة الإدارة السابقة، مشدداً على أنه عندما تنسحب أميركا تأتي الفوضى، ومعتبراً أن السياسيات الخاطئة لا تزال نتائجها متواصلة حتى الآن، وهناك أنظمة لا تزال تواجه تشكيكاً في شرعيتها، في إشارة محتملة إلى السودان.إلى ذلك، أشار مراقبون في واشنطن إلى أنه مع عدم قدرة أي طرف بمفرده على ترتيب الأوضاع المقبلة في سورية، يرى البعض أن انسحاب واشنطن يخلي الساحة لتقسيمها إلى مناطق نفوذ معقدة ومتشابكة، خلافاً لادعاءات قرب التوصل إلى حل للأزمة فيها.ولا يمكن لروسيا، التي تبدو اليوم اللاعب الأقوى في الساحة السورية، أن تأخذ دور واشنطن الذي يرعى ويشرف، حتى الساعة، على مشاريع الحلول السياسية الدولية، وهي تحتاج على الدوام إلى الاتفاق مع اللاعبين الإقليميين لتمرير سياساتها، وتحتاج إلى إسرائيل و«خدماتها» العسكرية بجنوب سورية في مواجهة الشهية الإيرانية، وإلى تركيا لضمان أمن الشمال، في وقت لا يمكن لأنقرة تجاوز الفيتو الأميركي لحماية الأكراد، ولا منع إشراك قوى عربية في إعادة ترتيب المنطقة الشرقية وضمان أمن الحدود السورية - العراقية. بومبيو، الذي أعاد تأكيد أن الهدف، بعد الانتهاء من «داعش»، يتمثل في إنهاء، أو على الأقل، تقليص نفوذ طهران إلى أقصى حد بالمنطقة، يرسم لوحة طريق لمواجهات قاسية، قد تكون مقبلة، مع مشكلة الوجود الإيراني، مما قد يؤدي إلى موجة جديدة من الحروب، مع قوى جاهزة لمواجهة لا تقل شراسة عن الميليشيات التي ترعاها إيران في المنطقة.وكان الرئيس ترامب وصف سورية بأرض «الرمال والدماء»، في حين تتحدث كتابات أميركية عن فوضى غير مسبوقة، وتحذيرات من مستنقع لا نهاية له بمنطقة معقدة كمنطقة الشرق الأوسط، وهي تحذيرات لا تبدو القوى المعنية مدركة لخطورتها وهي تلهث لنيل حصتها في كعكة الرمل هذه.في سياق متصل، أكد مصدر مقرب من الحكومة العراقية، أن المحادثات، التي جرت في بغداد بين بومبيو والقيادات العراقية، تركّزت على توفير المتطلبات التي تجعل العراق مستغنياً عن الغاز الإيراني في أسرع وقت، لضمان الالتزام بالعقوبات المشددة التي تفرضها واشنطن على طهران.ويعتمد العراق بشكل كبير في تشغيل محطاته الكهربائية على الغاز الإيراني، ويستورد نحو 600 مليون قدم مكعبة من طهران، كأقرب نقطة استيراد ممكنة، بحسب وصف وزير النفط العراقي ثامر الغضبان، في تصريح له الشهر الماضي.ويعد نقص إمدادات الكهرباء أبرز أسباب الاحتجاجات الشعبية العنيفة، التي تتصاعد، خصوصاً في الصيف، وتهدد النظام السياسي برمته أحياناً، مما جعل واشنطن تستثني بغداد من عقوباتها ضد إيران مؤقتاً، لتفهمها الوضع الحرج للحكومة العراقية.وذكر المصدر، لـ «الجريدة»، أن بومبيو بحث، خلال لقائه رئيسي الجمهورية برهم صالح والحكومة عادل عبدالمهدي، وهما من الجناح المعتدل المقرب من الغرب، متطلبات استغناء العراق عن الغاز الإيراني، الذي يضمن لطهران ما يتراوح بين 4 و6 مليارات دولار سنوياً، لأن العراق يمتلك حقول غاز ضخمة يمكن تطويرها في غضون عامين لسد الحاجة المحلية.وأضاف أن الجانب العراقي طلب من بومبيو حث المستثمرين الأجانب على التقدم بعطاءاتهم للفرص الاستثمارية في حقول الأنبار والبصرة وميسان الغازية، لأن الموازنة العراقية تعجز عن توفير الاستثمارات المطلوبة، في ظل تذبذب كبير في أسعار النفط، وكلفة الحرب على الإرهاب.وبعد ساعات من مغادرة وزير الخارجية الأميركي، وبينما كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، أن مسؤولين عراقيين طالبوه ببقاء قوات بلاده بالعراق، أجرى وزير النفط الإيراني زيارة عاجلة لبغداد أكد خلالها أن طهران «لا تجد صعوبة في زيادة كميات الغاز المصدرة للعراق، ولديها طاقة متوافرة لمزيد من الزيادة».