مقابر مشتعلة... أرصفة دافئة
![فوزية شويش السالم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928838345230500/1555928850000/1280x960.jpg)
الجزء الأخير "أرصفة دافئة" يكتشف أن عزيوز لم يحترق، وكذلك أخوه عبدالعزيز بعد مرضه يندم من فعلته، فيتسامح من المحجوب، ويرد إليه إرثه، ليعود للسكن مع أخيه وأخته ويمارس التدريس من جديد. في الجزء الأخير يبين فيه علاقته بسلمى التي كان يحبها من أيام دراستهما الجامعية، لكنها لم تكن تعيره أي اهتمام، حتى تتزوج ثم تطلق، ثم تقوم بينهما علاقة حب قوية، لتتخلى عنه في النهاية، لأنه كان بالنسبة لها كامرأة جميلة وثرية ليس أكثر من نزوة عابرة بحياتها.الروايات الثلاث كحياة للمحجوب ليس فيها الكثير الذي يخصه، فالبداية كانت مع إيزابيل التي تخلت عنه بسبب خيانته لها، والثانية سلمى التي كان بالنسبة لها ليس إلا نزوة لامرأة تتسلى.إذن أي تقبع أهمية هذه الثلاثية؟الأهمية تأتي من هذا المغرب الأسطوري الساحر بعبق امتداد تاريخه الحضاري العميق، فهو بكنوزه وقصص أُناسه بشيوخه ودجالينه وسحرته وأوليائه وبؤس فقرائه، والجهل السائد بينهم وبين واقعهم، والبعد الشاسع بين حياة الفقراء الغارقين باليأس والحشيش والملتحفين بفقرهم، والأغنياء بمدينة ترفق وتحتفي بهم، ولا عزاء للمساواة والتكافؤ في مدن تزدحم بازدياد سكاني وجهل عظيم وأمية. "نحن في المغرب لم نتعود بعد على القراءة - لدينا الوقت لفعل كل شيء إلا القراءة، وإذا أردت أن ترى الواحد منا لا يكف عن التثاؤب والتذمر، ناوله كتابا ليقرأه - لكن بصراحة، ما حاجتنا نحن للقراءة".أحمد الكبيري دخل من ثقوب هذا النسيج الاجتماعي غير المتكافئ، وأخذ يغزل خيوطه، يخرج من محور القصة الرئيسي ليشبك مع محاور أخرى مرت بحياته أو خطرت على باله، أو وجدت ما يربطها مع المحور الأساسي، تشبيك وتحبيك قصص مختلفة بنسيج الحكاية ببراعة، شكل إضافة بانورامية للحياة البسيطة للمحجوب الذي يرويها كحوار مع صديق أو كتذكر، أو استعادة ذكريات تتنطط وتتقافز بين تاريخ من الحكايات التي مرت على الذاكرة والعين.أحمد الكبيري حكاء كبير، ينهل حكاياته من حياة مترعة بقصص حيوات مغاربية تراثية غنية لا تنتهي، وهذا ما ذكرني بعوالم محمد شكري وخبزه الحافي، وأيضا بعوالم الكاتب المصري خيري شلبي، والكاتب السوداني أمير تاج السر.