رأي الشاعر وشعره
"خشونة القصيدة العمودية لا تناسب المرأة الشاعرة، وإن أجادت بها، قصيدتا التفعيلة والنثر هما الأقرب لرقتها والتعبير عن مشاعرها. الشكل العمودي رجالي بامتياز". الفقرة أعلاه هي تغريدة على "تويتر" لشاعرنا الكبير دخيل الخليفة، يبدي من خلالها رأياً، ويتوقع بالتأكيد أن يعارضه كثيرون من أهل "الكار" والاختصاص. فهو شاعر له تاريخه منذ بداية مشواره الطويل قبل ستة دواوين شعرية تنوعت أشكال القصيدة فيها، ومواضيعها، حتى أصبح أحد أهم شعراء الكويت اليوم. قبل أن نتناول رأي الخليفة نرى ضرورة أن نناقش هذه الردود التي شارك فيها عدد غفير من أهل الرأي في الشعر والنقد، والمتسلقين على "قفا" الشعر، ومَن رأى أن ذلك يمثل طعنا في قدرة المرأة وكفاءتها، إضافة إلى مناصري المرأة.
لا أرى هنا أن من وافق الشاعر دخيل الخليفة هو على الحق، سواء كان من أهل الرأي أم لا، كما لا أتهم من خالفه الرأي من الجانب الآخر بأنهم ليسوا من أهل الرأي. ما لا أتفق معه أن ردود الأفعال اتخذت من التغريدة فرصة للهجوم غير المبرر على الشاعر وصلت للطعن بشعره وشاعريته، وحاولت تأليب الآخر على نصه، وهذا ما يمكن أن نسميه الفجور الأكبر في الخصومة.كان المنطق يحتم على هؤلاء أن يضعوا حائطا عظيما يفصل بين الشعر الذي يكتبه الشاعر، وهو حالة إبداعية خاصة، وبين رأيه في مسألة ما، وهي حالة واعية بعيدة عن تفاعلات كتابة النص جاءت نتيجة متابعة طويلة هي تاريخه الشعري. الشاعر أيضا صاحب رأي، ومن حقه أن يصرِّح به، ومن حقك أن تخالفه بما يساويه من ردة فعل. والرأي النقدي لقصيدة الشاعر يختلف عن الرأي النقدي لآراء الشاعر في الشعر. سأعود لرأي الشاعر الخليفة حول ظروف كتابة الشعر العمودي. فقبل انطلاق الشعر الحديث/ الجديد، التفعيلة والنثر، كانت الأمور غير متساوية بين الشاعر/ الرجل والشاعرة /المرأة. لم يكن ذلك بسبب الشاعرية التي هي ملكة قد تتفوق بها المرأة على الرجل، بل لظروف الحياة التي يعيشها الرجل في صراعه مع الحياة والخبرة الحياتية، مقارنة بفرص تلك الحياة التي تحظى بها المرأة. كان ذلك سبب تفوق الرجل في النص، وهو النص العمودي المتوافر الوحيد حينها. جاء ظهور النص الشعري الجديد مصاحبا لتعليم المرأة وخروجها من زاوية المنزل التي لزمتها عقودا من الزمن. وتميزت المرأة فيه كما تميز فيه الرجل، وكان النص العمودي يبتعد كثيرا، ليس لخشونته فقط، لكن لتراجعه وافتقاره لقوته السابقة التي تفوق بها أسياد الشعر العربي. يمكن هنا مقارنة نصوص السياب العمودية وارتباط القارئ بنصوص السياب في الشعر الجديد. ما نخلص إليه، أن النص العمودي، وهو نص منبري بالدرجة الأولى، لم يعد خشنا كما كان، واستطاع النص الجديد أن يتفوق عليه. وشعراء اليوم، ودخيل الخليفة أحدهم، أكثر إبداعا فيه، ولا تختلف المرأة الشاعرة في ذلك عن الشاعر الرجل. وربما يتفق الاثنان؛ المرأة والرجل، في أن النص العمودي، وما يحتاجه من ظروف كتابية وتلقٍ ومعجم شعري واسع وصروف شعرية مختلفة، هو نص خشن يلجأ إليه القلة في التعبير عن أنفسهم ولا ينجحون دائما.