كتبت في هذه الزاوية بتاريخ 24 مايو 2017 موضوعاً بعنوان «ثقافة الغش المؤلمة»، وتالياً بتاريخ 27 يونيو 2018، كتبت موضوعاً آخر بعنوان «ثقافة الغش والآيلتس»، وأخيراً بتاريخ 2 يناير الجاري عنونتُ مقالي بـ«ثقافة الغش»، مشيراً إلى بحث نُشِر في جريدة «القبس» وأشار إلى استبيان شمل 2000 طالبة وطالب في مستوى التعليم العالي بالكويت، وأظهر أن 53% منهم يرون «أن الغش حق مشروع». وكان مخيفاً وصادماً لي أن يتفق ما يزيد على نصف طلبة العينة على آراء تبدو خارج السياق السلوكي الإنساني السوي! خاصة بالنسبة لشباب يؤمّل منهم أن يكونوا أصحاب الأسر القادمة، وهم قادة المجتمع في المستقبل القريب. وتساءلت: كيف يمكن أن تكون طبيعة التعامل المجتمعي مع من يؤمن بأن الغش حق مشروع؟! كتبت ذلك المقال معلقاً على الدراسة، ولم يكن يدر بخلدي أن الواقع أكثر مرارة من الدراسة، فبعد أسبوع من نشر مقالي، طالعتنا جريدة القبس مجدداً، وعلى صفحتها الأولى، بخبر يقول: «شغب أثناء اختبارات الثانوية العامة، طلاب يغشون غصب طيب»، وفي ثنايا الخبر يتضح ضبط أكثر من 1500 حالة غش، وأن الطلبة يتوعدون الأساتذة المراقبين، مما استدعى الاستعانة برجال الشرطة لحماية المدرسين.
لا أدري كيف ينظر الأخوة في وزارة التربية لهذه الانحرافات الطلابية؟ ولا أعرف إن كانت ثمة جهود تُبذل لمعالجة هذا الخلل السلوكي؟ فعنوان وزارة التربية العريض هو في كونها للتربية أكثر منها لأي شيء آخر، بما في ذلك التعليم. وهذا العنوان كفيل بأن يجبر الوزارة على الوقوف أمام هذه الظاهرة المخيفة والمدمرة، وبكل ما تمتلك من أدوات، وأن تكون وقفتها بحسبة: التربية أهم من العلم، فكثير من البشر حول العالم، وفي مختلف العصور، لم ينالوا حظاً من التعليم، لكنهم كانوا عظاماً بسلوكهم الإنساني.منْ يظن أن الغش ظاهرة تخصّ الطالب والمدرسة فهو مخطئ مئة بالمئة، فهذا الطالب ليس نبات كمأة، لا جذر له. فهو ابن لأسرة تربى في حضنها، وشرب من ماء قناعاتها. وهو يعيش بالقرب من أب وأم وأخوة، فما تراه تأثير هؤلاء عليه؟ ومن أين تراه تشبع بقناعة الغش؟لا أظنني أبالغ أو أضخّم الأمور إذا قلت للأخ الفاضل معالي الدكتور حامد العازمي، وزير التربية والتعليم، إن مؤتمراً وطنياً يناقش ظاهرة الغش بات أمراً ملحاً، وربما هو أولوية أكثر من التعليم نفسه. مؤتمر وطني تشترك فيه وزارة التربية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ووزارة الإعلام، ومؤكد جامعة الكويت والجامعات الخاصة، وكذلك عدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني، مثل جمعيات النفع العام، وأهم جهة يمكن أن تشارك هي الطلبة. فهؤلاء هم أصحاب القضية، وهؤلاء هم المرضى، وهؤلاء هم أجدر من يجب الاستماع إليه، فلا يمكن لأي طبيب مهما كان ماهراً أن يُشخّص مرضاً لمريض دون الاستماع لشكواه، والتقرب منه ما أمكن للوقوف على معاناته.نعم، مؤتمر وطني يا معالي الوزير بعنوان «الغش ظاهرة لا تخصّ الطلبة» هو أقل ما يمكن أن يكون للحد من هذه الظاهرة المدمّرة. مؤتمر وطني يناقش الظاهرة لا بوصفها سلوك طلبة، بل بوصفها آفة اجتماعية خطيرة تهدد المجتمع الكويتي بأكمله. خاصة إذا أخذنا بالحسبان أن هذا المجتمع ومنذ وجوده الأول عام 1623، وفق رأي الدكتور خليفة الوقيان، قام وتواصل، والثقة أساس متين في التعامل بين أبنائه، وبينهم وبين الآخر العابر بقربهم. فكيف بمجتمع نشأ على الثقة أن يتحول ليؤمن بالغش وسيلة للحياة؟الأخ الفاضل الدكتور حامد العازمي، أردد معك شعراً تعرفه:«وإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْفَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا»«وإذا أصيب القوم في أخلاقهمفأقم عليهم مأتماً وعويلا»
توابل - ثقافات
وزارة التربية... الغش والمأتم!
16-01-2019