بات مصير الاتفاق، الذي توصلت إليه رئيسة الوزراء البريطانية المحافظة تيريزا ماي مع بروكسل، بشأن خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي (بريكست) على المحك، بعد تصويت النواب، مساء أمس، على اتفاق الانفصال، والذي سبقه توقعات بـ"هزيمة تاريخية" لتيريزا ماي.

فقد بذلت هذه الأخيرة قصارى جهدها لمحاولة إقناع النواب، محذرة إياهم من أنه في حال الرفض، ستدخل البلاد "في المجهول"، وقد يحصل "بريكست" من دون اتفاق أو حتى يمكن أن تبقى البلاد ضمن الاتحاد.

Ad

ويأتي التصويت، أمس، بعد فترة اضطرابات في الأوساط السياسة البريطانية، فهذه الأخيرة لم تكن قادرة على التوافق بشأن "بريكست"، بين أنصار انفصال قاس وأولئك الذين يفضلون على العكس المحافظة على روابط وثيقة مع التكتل.

وعشية التصويت، أصدر مجلس اللوردات توبيخا لاذعاً لاتفاق "بريكست"، وذلك في تصويت على إجراء بشأن رفض الاتفاق جرى تمريره ليل الاثنين.

ورفض الاتفاق 321 عضواً مقابل 152.

وحذر أعضاء في مجلس اللوردات من أن اتفاق ماي مع الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يضر بالازدهار الاقتصادي لبريطانيا، وكذلك الأمن الداخلي والنفوذ العالمي.

وكانت الصحف المؤيدة لـ"بريكست"، ناشدت، أمس، قبل ساعات من التصويت، النواب على دعم الاتفاق. وكتبت "دايلي مايل": "ضعوا أحكامكم المسبقة جانباً وأعطوا الأولوية لبلدكم".

في المقابل، كتبت صحيفة "التايمز": "ماي تستعدّ لهزيمة تاريخية".

من ناحيتها، اعتبرت صحيفة "تليغراف" اليمينة أنه "لم يعد لدى ماي لا حلفاء ولا وقت. نأسف لاضطرارنا إلى معارضة رئيسة الوزراء المحافظة"، مضيفة أن "مصادقة النواب على هذا الاتفاق الفظيع سيكون خطأ تاريخيا".

بدورها، نصحت صحيفة "دايلي ميرور" اليسارية رئيسة الوزراء بـ"بدء البحث عن خطة بديلة في حين أنها تستعدّ "لإحدى الهزائم الساحقة في البرلمان".

وكتب رئيس تحرير صحيفة "صن" توم نيوتون دان على "تويتر": "سمعت أن ماي أبلغت مجلس الوزراء لتوها أنها ستمضي قدما في اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي، بصرف النظر عن حجم هزيمة الليلة (أمس)، إذ إن هذا هو الخيار الوحيد".

وقال الناطق باسم ماي إنها أبلغت الوزراء انها سترد سريعاً على التصويت.

وإذا صوّت النواب لمصلحة النصّ فسيكون "بريكست" نافذاً في 29 مارس، وستبدأ لندن وبروكسل بمناقشة علاقتهما التجارية المستقبلية، بعد فترة انتقالية من المقرر أن تستمرّ حتى نهاية عام 2020، وهي مخصصة لتخفيف وطأة خروج بريطانيا بعد 40 عاماً من انتمائها إلى التكتل.

وكان من المقرر إجراء تصويت الأمس، في ديسمبر، إلا أن ماي أرجأته في اللحظة الأخيرة لتجنّب هزيمة متوقعة، ومنح نفسها مزيداً من الوقت للحصول على "ضمانات" إضافية من القادة الأوروبيين مخصصة لإقناع النواب البريطانيين بالتصويت لصالح النصّ.

ونشرت رئاسة الوزراء البريطانية، أمس الأول، رسالة موقعة من جانب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، ورئيس المفوضة الأوروبية جان كلود يونكر يؤكدان فيها أن الاتحاد الأوروبي "لا يرغب" في أن يدخل حيّز التنفيذ الترتيب المثير للجدل بشأن "شبكة الأمان" (أو باكستوب)، وأنه في حال كان ذلك سيُطبق، فإنه سيكون "بشكل مؤقت فقط".

لكن الضمانات الأوروبية لم تُقنع كثيرين، فقد قال النائب نايغل دودس من "الحزب الوحدوي الديمقراطي الايرلندي الشمالي": "ليس هناك شيء جديد، لم يتغير شيء". إلا أن دعم "الوحدوي" لتيريزا ماي لا غنى عنه لتأمين أغلبية في البرلمان.

وبالنسبة لهذا الحزب، يهدد مشروع الاتفاق وحدة المملكة المتحدة الاقتصادية والسياسية.

وقال سامي ويلسن، المكلف شؤون "بريكست" في "الوحدوي الديمقراطي" لشبكة BBC، "لن نسمح لبيروقراطيين في بروكسل بإبعادنا عن سائر المملكة المتحدة".

وبالنسبة لحزب "العمال"، و"الليبراليين الديمقراطيين"، و"القوميين الاسكتلنديين" من "الحزب الوطني الاسكتلندي"، "لم يتغيّر شيء".

ولايزال قسم من حزب ماي المحافظ معارضاً بشدة للاتفاق.

وحذّرت زعيمة المحافظين معسكرها من مخاطر خسارة الحكم لمصلحة "العمال"، الذي ينوي تقديم مذكرة حجب ثقة لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في حال سقوط الاتفاق في البرلمان.

وقال مصدر حكومي لصحيفة "تليغراف"، أمس، إنه سيكون "صعباً بالنسبة إليها الاستمرار في منصبها إذا فشلت بأكثر من 100 صوت".

لكن الوزيرة المكلفة العلاقات مع البرلمان اندريا ليدسوم، اعتبرت أن رئيسة الحكومة ليس لديها نية الاستسلام. وقالت لبرنامج "نيوزنايت" عبر BBC، أن ماي "ستبقى مصممة على تطبيق هذا الاتفاق".

لكن مقابل عداء النواب، لم تتمكن رئيسة الوزراء من استبعاد فرضية إرجاء موعد "بريكست" بشكل كامل.

وسيحظى هذا الاحتمال، الذي يتحدث عنه نواب بريطانيون أكثر فأكثر، على الدعم من الجانب الأوروبي.

وبينما نفت الحكومة الألمانية التقارير التي قالت، إن المستشارة انجيلا ميركل قدمت خلال اتصال هاتفي أجرته أخيراً مع ماي، تنازلات إضافية للتأثير في تصويت البرلمان البريطاني لمصلحة الاتفاق.

وفي ستراسبورغ، تعهّد أكثر من 100 نائب أوروبي، أمس الأول، في مراسلة موجهة إلى البريطانيين، بدعم إرجاء موعد "بريكست" في حال طلبت المملكة المتحدة ذلك، وإذا كان ذلك يجنّب حصول "بريكست" من دون اتفاق.