تشجيعية وتقديرية
المبدع يحتاج أن يُشار إليه ويُعرف على المستوى العام لا على مستوى رف في خزانة مكتبه، ومن باب أولى وأجدر أن يكون هذا التكريم بمساحات وأماكن عامة تنصب فيها أسماء المبدعين المكرمين كل حسب مجاله كقاعات في المراكز العلمية والثقافية أو صالات رياضية أو مسارح وغيرها من منشآت.
أقبح ما في التكريم أو التقدير هو أن تعلم أن هذا التكريم غير مبني على الكفاءة أو التقدير الفعلي لما بذلته من جهود أو ما قدمته لمجالك العملي أو التطوعي، بل إن هذا التكريم هو عبارة عن مداورة سيأتيك الدور ليتم تكريمك بغض النظر عما قدمته أو بذلته.ناهيكم عن مسألة أن تقوم بترشيح نفسك ليتم تكريمك، وهي طريقة متبعة لدى العديد من الجهات والمؤسسات الحكومية أو حتى الأهلية، فبدلا من أن يلفت إبداعك المعنيين فيقومون بتكريمك على ما بذلته، تتقدم أنت وكأنك تستجدي أن يلتفتوا إليك، والأقبح من ذلك أنك لا تكرم بعد إذلال ذاتك في تقديم طلب التكريم لتلك الجهات.
طبعا هذه الآلية المتبعة سواء كانت في التكريم عن طريق المداورة أو عن طريق ترشيح نفسك لنيل التكريم هي باختصار لأن المختصين بالتكريم "مالهم خلق" و"ما يبون يزعلون أحد"، فبدلا من ذلك نكرم جميع المختصين بمجال واحد ممن قضوا سنوات طويلة بالمجال، فاليوم أحمد وغدا سالم وبعد غد خالد وخالصين، وبدلا من البحث عن الإبداع يطلبون من المبدع أن يتقدم لهم، بمعنى آخر لو أن نيوتن كان كويتيا فإن من واجبه أن يتقدم بترشيح نفسه لكي يكرم وإن لم يتقدم فهو المقصر لا هم.أنا أتفهم مسألة الترشيح في مسابقة ما وليس من أجل نيل جوائز تقديرية أو تشجيعية أو أيا كان مسماها تحت مظلة التكريم، لذلك فإن هذه الجوائز في الكويت تحديدا فقدت قيمتها الفعلية، ولم تعد تضفي أي ثقل أو مكانة لمن ينالها لمعرفة الكثيرين بآلية الاختيار التي يجب أن تتغير فورا.هذا من جانب، أما الجانب الآخر وهو الأهم في مسألة التكريم في الكويت هو شكل هذا التكريم الذي ما زال عبارة عن درع خشبية أو زجاجية مصحوبة بمبلغ مادي أحيانا وأحيانا أخرى بشهادة تقدير فقط، وصور في الصحف، وهو ما يعني أننا لم نكتف بتسطيح التكريم وتقليل أهميته في آلية الاختيار فحسب، بل كذلك بسطحية الجائزة ماديا أيضا، فالمكرم الذي يفترض أنه قدم خدمات مميزة لبلده من خلال تميزه في مجاله يمنح جائزة شخصية وليست عامة، وهي مشكلة تتناقض مع فكرة التكريم أصلا، فالمبدع يحتاج أن يشار إليه ويعرف على المستوى العام لا على مستوى رف في خزانة مكتبه، ومن باب أولى وأجدر أن يكون هذا التكريم بمساحات وأماكن عامة تنصب فيها أسماء المبدعين المكرمين كل حسب مجاله كقاعات في المراكز العلمية والثقافية أو صالات رياضية أو مسارح وغيرها من منشآت لا تسميات لها سوى الأرقام والأحرف، بشرط أن يكرموا وهم على قيد الحياة دون انتظار الموت، وهو أمر لا أعرف من ابتدعه وأصبح منهجا سخيفا نسير عليه إلى اليوم، فإن كنت أنا من اجتهدت وكرّمت فأنا أكثر من يستحق أن يشاهد التقدير والتكريم على جهدي الذي قد يكون حافزاً للمزيد أو لغيري من المبدعين بأن ينجزوا ليكرموا في حياتهم.