«ناتو» التوريط العربي!
كلما سمعت مصطلح "الناتو العربي" خالجني شعور عميق بالخوف، وارتسمت في مخيلتي خدعة الثورة العربية الكبرى في بداية القرن الماضي، التي أطلقت شرارتها القوى الاستعمارية الكبرى، ثم انقلبت عليها وصفتها، ولا يمكن لأي متفحص لمجرى الأحداث أن يثق بالإدارة الأميركية الحالية التي تبتز حلفاءها، وتنقلب عليهم بين فترة وأخرى، ومن قبلها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، التي لعبت أقذر دور في تصفية الثورة السورية، وتغطية جرائم بشار الأسد ضد الإنسانية وشعبه، وتمكين طهران من السيطرة على سورية.أما حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن إنشاء ناتو عربي لمواجهة النزعة الإيرانية التوسعية فهو "كلام فاضي"، فإيران توسعت تحت سمع وبصر البيت الأبيض، وفي أحضان القوات الأميركية الموجودة بالمنطقة، ووظيفة إيران ترعاها واشنطن وتل أبيب ولندن وباريس منذ سقوط نظام الشاه في 1979، والتي تتمثل في تقويض العالم العربي من الداخل، عن طريق النزعات الطائفية والعرقية التي خلقها نظام الملالي لمصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى، والقوى الكبرى ثانياً، تحت شعارات ثورية وتحرير فلسطين، وهي في واقعها خلاف ذلك.
ليس مفهوماً أن يخلق ناتو عربي لمواجهة إيران، تسعى أطراف فيه إلى تأهيل نظام بشار الأسد، الذي هو وجودياً يعيش على تحالفه مع إيران؟! وواشنطن التي تدفعنا لمواجهة إيران، والتي تسرب أخباراً مفبركة عن قربها سابقاً أو لاحقاً من توجيه ضربة لإيران، هي نفسها من تخلت عن الجيش السوري الحر، بينما أقامت غرف العمليات العسكرية، ومدت بالسلاح أكراد سورية - تحت ما يسمى بسورية الديمقراطية - لتعزيز نزعات الانقسام وإرباك تركيا وإضعافها، وهي نفسها من كانت تغطي قوات سليماني الإيراني من "حشد" وخلافه في معاركها مع "داعش"، الذي صنعه النظام السوري وأعوانه.عملياً أعضاء الناتو المقترح متناقضون في توجهاتهم، فمثلاً مصر غير معنية جدياً بمواجهة إيران، وتعتمد في هذا الصدد على المواقف الدبلوماسية الإنشائية، وترى تركيا تهديداً لها، والأردن والإمارات تجددان علاقاتهما مع بشار الأسد، الذي يعيش بالأكسجين الفارسي، لذا فإن الناتو العربي، الذي تخلقه واشنطن، هدفه المغلف توريط العرب في مواجهة بشكل ما مع تركيا، لن تكون لنا فيها أي مصلحة، لأن أوروبا وواشنطن وبعض القوى العالمية قلقة جداً من صعود تركيا، وتنامي دورها في المنطقة، والمراد توريط العرب في صدام عسكري مع أنقرة لاستنزافها وإضعافها، وسنكون نحن الخاسرين منه، بينما ستخرج منه إيران بجائزة جديدة تجعلها أكثر تفرداً وهيمنة على المنطقة.