بعض الكلام عن دولة المؤسسات
الكلام عن دولة حكم القانون هو ذات الكلام عن مؤسسات الدولة، كيف أنشئت هذه المؤسسات، كيف تدار، من المسؤول - المسؤولون – عنها، كيف وصلوا إلى مراكزهم فيها، هل تخضع وتدار هذه المؤسسات بمقتضى قوانين ولوائح مشروعة حسب نماذج الدول الحديثة، أم أن هذه القوانين مجرد واجهات شكلية؟ والحقيقة أنها تدار حسب أعراف "ما قبل الدولة" من محسوبيات وواسطة ونهج عشائري مرضي مستوطن في هياكلها.حكم القانون يعني ببساطة المساواة أمام القانون، فلا تختلف مسؤولية السلطة عن مسؤولية المواطن أو الوافد في الخطاب القانوني، هل هذا حادث في الكويت أو في "شقيقاتها" العربيات؟ الإجابة معروفة. لنعرف وضع مؤسسات الدولة، من مؤسسات تشريعية وهيئات حكومية مختلفة، وحتى مؤسسات المجتمع المدني، مثل النقابات وجمعيات النفع العام، تأملوا حالها اليوم، شاهدوا "المرتزين" في الصفوف الأمامية على صفحات الجرائد ووسائل الإعلام والابتسامات العريضة مرسومة على وجوههم للكاميرات، فهؤلاء من يدير الدولة، هؤلاء الذين يقودون مؤسسات الدولة "الرسمية"، وهؤلاء الذين عليهم "نظرياً" عبء المسؤولية وتحمل تبعية مخاطر الغد في الداخل والخارج... كيف وصلوا إلى هذه المراكز؟ وهل كانت هناك معايير "للجدارة" أم كان الاختيار وفق أعراف وتقاليد ثقافة توزيع الغنائم والمحاصصة وعشوائية القرار السلطوي وتنفيذ رغبة أجندة مسؤول متنفذ هو السائد؟!
مثل تلك المؤسسات، التي أول مهامها إعمال حكم القانون، لا يمكنها القيام بذلك بحيادية، وإن حاول مسؤول جاد فيها أن يعمله فلن تكون هناك ديمومة لمسار عمل مؤسسته. نذكر، قبل أعوام، المرحوم الفريق محمد البدر، كلف بمسؤولية رئاسة لجنة إزالة التعديات على أملاك الدولة. المرحوم البدر لم يكن يعرف حتى أقرب الناس إليه حين شرع في مهمته، أراد المرحوم برجس البرجس ترميم ديوانه في الشويخ السكنية، فأقام بناء خشبياً صغيراً مؤقتاً خارج منزله، في اليوم التالي وصله إنذار من لجنة إزالة التعديات بأنه إن لم يزل بيت الخشب المتواضع حالاً فستزيله الجرافات. محمد البدر كان صديقاً لبرجس، ومن زوار ديوان الأخير، لم تنفع المعرفة ولا الصداقة في "وقت إضافي" لديوان برجس، خضع الأخير بكل بساطة لحكم القانون.أبدت لجنة إزالة التعديات شدة وقسوة في عملها، لكن محمد البدر كان ينفذ القانون، كان يعمل حكم القانون، وشرع في تنفيذه بأقرب الناس إليه... رحل محمد البدر عن الدنيا... ورحلت لعالم النسيان لجنته، شاهدوا الآن ماذا يحدث في معظم مناطق الكويت، أسوار أسمنت وأبنية، وبعدها أسوار قبيحة من أشجار "كونا كاربس" ترتفع لتحجز من هم في الداخل، وتمنع من هم في الخارج من الاقتراب... قبل أن يشرع عبدالله السالم قانون تحديد الأراضي الأميرية في الخمسينيات، كانت براميل المتنفذين تجري لتصادر وتتملك أراضي الدولة دون حساب، ثم فيما بعد يقسمها هؤلاء الأسياد "الفقراء"، ويعيدون طرحها على المواطنين بأثمان عالية... الآن سرت عدوى البراميل التاريخية من الأعلى للأسفل، إنما بشكل متواضع بـ"الكونا كاربس" في معظم ضواحي البلد من ناحية، ومن ناحية أخرى تمددت أسوار البراميل لهدايا وعطايا القسائم الزراعية وغيرها... كل شيء بثمن وأهمها الولاء والموالاة لساكني الأدوار العليا.لدينا مؤسسات طبعاً، هل هي فعالة، هل منتجة ومحايدة، وتعمل حكم القانون؟! لا إجابة.