توفي آية الله محمود هاشمي شهرودي، وهو أحد أبرز السياسيين في طهران، بعد صراع مع مرض السرطان استمر زهاء سنة، وعلى الرغم من عدم شهرته بشكل نسبي خارج إيران مقارنة مع زملائه من الملالي الأكثر شهرة وإثارة للجدل فإن شهرودي كان شخصية مقربة من قمة السلطة، ولعل الجانب الأكثر أهمية هو أنه كان مرشحاً بقوة لخلافة المرشد الأعلى علي خامنئي، وقد يستقطب موته المبكر تطورات سياسة الخلافة، ويفضي إلى مزيد من عدم الاستقرار في إيران.ولد شهرودي في سنة 1948 في العراق لأبوين إيرانيين وهي سمة ليست غير عادية في أوساط النخبة السياسية في إيران، وخصوصاً عائلة لاريجاني، وقد درس بإشراف السلطات الدينية في مسقط رأسه في النجف، وفي سنة 1974 تعرض للسجن والتعذيب على يد نظام حزب البعث في العراق الذي شن حملة ملاحقة لرجال الدين الشيعة، وبعد قيام صدام حسين بغزو إيران ترأس شهرودي المجلس الأعلى الجديد للثورة الاسلامية في العراق، ولكن مع صعود خامنئي كزعيم أعلى في سنة 1989 قرر متابعة جهوده السياسية في إيران والتخلي عن صِلاته في العراق.
كانت مؤهلات شهرودي الدينية تقارب الكمال مما سهل بقدر أكبر دخوله الى المؤسسة السياسية في إيران، وقد خدم منذ سنة 1995 حتى وفاته كعضو في مجلس الوصاية، وهي جهة رقابية محافظة قوية تضمن تماشي الخط الإسلامي وتطابق التشريعات البرلمانية ومرشحي الانتخابات على حد سواء. وكان أيضاً عضواً في جمعية الخبراء التي تنتخب خليفة المرشد الأعلى إضافة إلى مجلس الملاءمة الذي تشكل في نهاية الحرب الإيرانية– العراقية من أجل تسوية الخلافات بين البرلمان ومجلس الوصاية، والذي بدأ أيضاً بتقديم النصح الى المرشد الأعلى حول الخطوط العريضة للسياسة والاستراتيجية.وبعد وفاة أكبر هاشمي رفسنجاني في سنة 2017 وهو رئيس سابق واسع النفوذ اختار خامنئي شهرودي خليفة له، ولذلك كان شهرودي شخصية يستطيع خامنئي الاعتماد عليها.ويذكر معظم الإيرانيين شهرودي كرئيس للسلطة القضائية بين 1999 و2009 حين عارض محمد خاتمي ثم محمود أحمدي نجاد الحكومة الإيرانية. وكرئيس للسلطة القضائية يقال إن شهرودي أشرف بصورة مباشرة أو غير مباشرة على تنفيذ أحكام إعدام بحق نحو 2000 شخص بمن فيهم بعض القاصرين، وخلال زيارة شهرودي للعلاج في مدينة هانوفر الألمانية في شهر يناير من عام 2018 اندلعت احتجاجات، ودرست الحكومة الألمانية فكرة توجيه اتهامات له لكنها تخلت عنها في وقت لاحق، لأنه اختار النائب العام في طهران سعيد مرتضوي الذي اعتبر مسؤولاً عن اغتصاب وقتل المصورة الصحافية المعتقلة زهرة كاظمي وهي كندية من أصل إيراني.وتتمثل نقطة القوة لدى شهرودي في علاقاته الطيبة مع كل من الأجنحة الأربعة الموجودة في إيران: المحافظون والمحافظون الجدد والمحافظون المعتدلون والإصلاحيون، وقد انعكس ذلك في تعيينه في سنة 2011 لرئاسة المجلس الأعلى لحل النزاعات وتنظيم العلاقات بين فروع الحكم الثلاثة وذلك استجابة للخلافات المتصاعدة بين الرئيس محمود أحمدي نجاد في تلك الفترة والبرلمان الغاضب، وعرف عن شهرودي تمتعه باحترام المحافظين المنافسين أيضاً.الولاء لخامنئيوبالمثل ضمن ولاؤه لخامنئي ومكتب المرشد الأعلى المعروف باسم ولاية الفقيه استمرارية دستورية تتماشى مع المزيد من التوازن في علاقاته مع مراكز القوى الأخرى، وخصوصا قوات الحرس الثوري، وبخلاف خامنئي لم يكن مضطراً الى التودد الى الحرس الثوري في بناء قاعدة حكمه.وكان شهرودي أيضاً رجل الدين الشيعي الوحيد في مجموعة الخلفاء المحتملين– أو حتى في أي مكان آخر– يشاع أنه كان يهدف الى زعامة شيعة العراق، وفي سنة 2012 نشرت تقارير تحدثت عن قيام شهرودي بتنظيم شبكات داخل العراق وخاصة في مدينة النجف تحصل على ضرائب دينية وتمويل من الدولة الإيرانية. وكما تبين في ذلك الوقت فقد كان شهرودي يسعى الى تقويض أو حتى استبدال آية الله علي السيستاني الذي يمثل السلطة الروحية الاثني عشرية في العراق، وكان لطهران سببها الوجيه أيضاً: كان السيستاني الإيراني المولد الذي يعكس صورة شهرودي يعارض النظام الإيراني القائم على قاعدة حكم ولاية الفقيه.وإذا كان شهرودي يعتبر من خارج التركيبة من خلال أصله العراقي فإن خلفيته كانت تتمتع بقدر معقول من القبول في أوساط الشيعة الاثني عشرية خارج حدود إيران وخصوصا في العراق، حيث لا تحصل ولاية الفقيه على اعتراف واسع. ومنذ إطاحة صدام حسين في سنة 2003 تقدمت حكومة الأكثرية الشيعية في العراق نحو إيران لكنها استمرت في الحفاظ على استقلال ذاتي سياسي عن طهران.ويعتمد استقرار إيران الداخلي وفترة الحكم فيها والتي واجهت تحديات متزايدة في العام الماضي من خلال احتجاجات سادت شتى أنحاء البلاد يعتمد على وجود طبقة سياسية تقبل بصورة جماعية سلطة مرشد أعلى يملك القدرة على تحقيق إجماع وتوازن بين المصالح المتضاربة، وكانت قدرة شهرودي الفريدة على الجمع بين رجال السياسة والمؤسسة الدينية في إيران واحدة من الأسباب التي جعلت اسمه يتردد كخليفة لخامنئي، وكان مؤهلاً أيضاً بين القلة النسبية من رجال الدين غير المتقدمين في العمر الذين يمكن الوثوق بهم من قبل المؤسسة الحاكمة في طهران.من جهة أخرى تعتمد بغداد بشدة على التجارة مع إيران، ومن دون استثناء من واشنطن سيتعرض استقرار العراق وشعبه الى معاناة كبيرة.ولكن المتشددين سيسمحون الآن بفرصة بسيطة للإصلاحيين والمعتدلين في إيران ومن بينهم الرئيس حسن روحاني للتفكير في عملية اختيار خليفة في البلاد.وهكذا فقد مهدت وفاة شهرودي السبيل أمام ظهور مرشحين متشددين، وباستثناء أحمد جنتي الذي يبلغ الـ91 من العمر والذي يرأس جمعية الخبراء، تشمل قائمة المرشحين اثنين آخرين هما صادق لاريجاني وإبراهيم ريسي.وبالمقارنة مع شهرودي يعتبر المرشحان أقل صبراً إزاء منافسيهما من المعتدلين والإصلاحيين الذين هم أقل احتمالاً لقبولهما لخلافة خامنئي.ومع الغياب السريع لأول طبقة من رجال الدين الثوريين في إيران أفضت وفاة شهرودي الى غياب المرشح الأوفر حظاً الذي كان اسمه يتردد في أروقة الحكم في طهران، وعلى الرغم من أنه ربما لم يكن ليقبل بالضرورة بسياسة خارجية تصالحية بقدر أكبر فإنه قد يمثل سياسة أقل انقساماً على الصعيد السياسي، وبديلاً أكثر استقراراً لمنصب المرشد الأعلى في البلاد. وقد لا يعني الاقتتال الداخلي في أوساط النخبة وجود علامة على ضعف النظام لكن ذلك يتطلب بصورة عامة وجود شخصية مقبولة من جانب كل الطبقات المختلفة. ● كيفن ليم– فورين بوليسي
دوليات
تعقيدات المشهد السياسي الإيراني بعد رحيل شهرودي
18-01-2019