التقاعد المبكر لا يجوز فنياً!
خلال مناقشات في اجتماعات متكررة للجنة المالية في مجلس الأمة حول قانون التقاعد المبكر يحاول النائب استخراج صيغة مقبولة لدى السلطة التنفيذية؛ لتحقيق نشوة المساهمة في إنجاز يذكر، باعتقاده، مع تعاون حكومي، واتفاق 90 ٪ من وجهات النظر الفنية، إذ يرى الجانب الحكومي أن التعاون في هذا القانون من أجل تمريره بصورته الضعيفة "شعبويا" يصنع حاجزا منيعا لتمرير قانون آخر أكثر "شعبوية"، ليخلف أضرارا اقتصادية وسياسية على الدولة والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. والخوض في مسائل هذا القانون بالمحافل السياسية والاجتماعية يتطلب نقاش آليات عمل القانون وخياراته وعلاقته بالتأمين الاجتماعي للمواطن، ولكن لماذا تحتفي المحافل الاقتصادية بمناقشة تلك الآليات وتتغاضى عما يدعم استدامة أي كيان يستهدف التأمين الاجتماعي، كالعلم الاكتواري؟العلم الاكتواري مزيج من الرياضيات والإحصاء والتمويل وإدارة المخاطر، فهو نظام يطبق الأساليب الرياضية والإحصائية لتقييم المخاطر في التأمين والتمويل لأي مؤسسة تستهدف استمرارية التأمين الاجتماعي التكافلي، ويعتمد على معلومات إحصائية سابقة، دارسا المعطيات ومتنبأ بمعلومات مستقبلية كعدد الموظفين والمتقاعدين الجدد مستقبلا، تنبؤاً يستخرج التكاليف والإيرادات المستقبلية وقيمتها الحالية بمعادلات تمويلية؛ لخفض المخاطر التي تؤثر في قرارات أي مؤسسة تأمين اجتماعي، كقانون التقاعد المبكر.
وبناء عليه فإن من الواجب اقتصاديا اعتبار دراسات اكتوارية جديدة– ليست محاسبية فقط– لأي تعديل في تفاصيل قانون التقاعد المبكر، ولكيلا يطول الحديث المعقد لدى العامة، فكيف لقانون التقاعد المبكر– وإن كان اختياريا باستقطاع يزيد 2 ٪– أن يخدم المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية إن كانت الدراسة الاكتوارية في 2010 تشهد بداية عجز اكتواري في عام 2067 ؟ وماذا عن تنبؤ معدل الفائدة المرتبط بشكل أو بآخر بفائدة الاحتياطي الفدرالي، الذي بدوره يؤثر في نتائج معادلات استخراج القيم الحالية من القيم المستقبلية في تلك الدراسات؟ وماذا عن التنبؤ بأداء القطاع الاستثماري في المؤسسة، الذي يؤثر في معدلات المخاطر بالاستدامة الاقتصادية لها؟فما يقلقنا اليوم هو تهميش المحافل الاقتصادية لتلك المحاور، والالتفات إلى أمور أقل موضوعية، كالخوض في الفساد الإداري والمالي، إن وجد؛ لتمرير هذه النوعية من القوانين، متناسين أن هذه الخطوة ليست إلا تبريرا لهذا الفساد، وانضماما حتميا له! ماذا عن ثقة المواطن بكل من يسعى ليحقق له مصالحه الاقتصادية على المستوى الشخصي، متعديا على المصلحة الاقتصادية العامة، مخلفا آثارا سلبية واقعة لا محالة، ليتكبدها الجميع بلا استثناء.وماذا عمن يعتلي الموجة مطالبا اقتصادييها بعدم معارضتهم المسبقة لما يتعلق بالفساد الإداري والمالي، فأي حجة تلك، وهؤلاء الاقتصاديون يصنفون تلك الموجة تخبطا اقتصاديا آخر، يلتصق بموجة الفساد الإداري والمالي نتيجة لقرارات سياسية؟ فالأمواج تتحد ارتطاما، والآثار السلبية ترتمي للشط ذاته.