لم أعتقد أن البروفيسور الإسرائيلي بيني موريس يستحق أن أكتب عنه مقالا، فصفته كمؤرخ عنصري حسمت منذ عقود بعد ارتداده نحو العنصرية اليمينية، غير أن ما دفعني لكتابة هذا المقال أن تصريحاته الأخيرة تعبر بوضوح فاقع عن طبيعة العنصرية المتطرفة التي تغلغلت وتجذرت في المجتمع الإسرائيلي، ووصلت حدود الفاشية حسب تعبير إسرائيليين كثيرين معروفين بعدائهم العميق للشعب الفلسطيني، مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق يهود باراك، ومن هذه الناحية فإن التحولات في شخصية وكتابات وأداء موريس تمثل صورة مكثفة ودقيقة للتحولات العنصرية التي اجتاحت الإسرائيليين طوال العقود الماضية.

يصر موريس على تكرار كذبة معروفة، ووقاحتين يستخدمهما أرضية لتبرير التطرف العنصري: الكذبة المكررة تقول إن الحركة الصهيونية وافقت على حل الدولتين أربع مرات في أعوام 1937، 1947، 1977، 2008، أما الفلسطينيون فأصروا على رفضها.

Ad

هناك مؤرخ إسرائيلي آخر، وهو آفي شلايم عمل في جامعة أكسفورد، أثبت بدلائل قاطعة أن الحركة الصهيونية وعلى عكس ادعاءات موريس لم تقبل في أي يوم مشروع التقسيم، أي حل الدولتين الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1947.

ويتلاعب موريس بالحقائق عندما يسمي الحكم الذاتي الممسوخ الذي عُرض في عام 1977 والأعوام التي تلت "حل الدولتين"، ومن المعروف أن رابين نفسه لم يقبل بقيام دولة فلسطينية، ولذلك أصر بمثابرة على أن المقصود في اتفاقيات السلام هو مجرد حكم ذاتي يبقى تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية.

الترويج لهذه الكذبة يستخدم كمبرر لما يمارسه محبوب بيني موريس الجديد نتنياهو، وأركان حكومته، من ضم وتهويد لكامل فلسطين ورفض لقيام دولة فلسطينية مستقلة، أي أنهم يقتلون حق الفلسطينيين ويريدون تحميلهم مسؤولية ذلك.

أما الوقاحة العنصرية الأولى في حديث موريس فهي موقفه بأنه "كان على بن غوريون تنفيذ تطهير عرقي كامل بحق الفلسطينيين"، ولومه له بأنه لم يطرد 160 ألف عربي ممن صمدوا في فلسطين الداخل بعد نكبة 1948، بل يلومه على أنه لم يستطع طرد كل الفلسطينيين إلى شرق الأردن، ولم يستكمل التطهير العرقي للفلسطينيين الذي يبرره باعتبار أنه أفضل من "الإبادة العرقية".

أما الوقاحة الثانية، فهي إنكاره لمجزرة دير ياسين وغيرها من المجازر، التي سبق له أن اعترف بوقوعها، لأن عدد القتلى في كل منها لم يتجاوز المئات، ويصل قمة الوقاحة عندما يصف الشعب الفلسطيني الصامد على أرض فلسطين بأنه "حيوان متوحش، يجب حبسه في قفص"، رغم أن الحبس في قفص حسب رأيه أمر وحشي.

هذه الأفكار الخطيرة التي يروج لها ويعبر عنها كتّاب وأكاديميون إسرائيليون، هي بالضبط ما يدور في أذهان جنود الاحتلال عندما يقتلون الفلسطينيين العُزل حتى لو كانوا أطفالا، أو يغتالون أبرياء كالمسعفة رزان النجار، أو يمعنون في ابتكار أساليب البطش والتنكيل بالشعب الفلسطيني، وهي ما يدور في أذهان المشرعين الإسرائيليين عندما يقرون قانونا عنصريا تاما كقانون القومية اليهودية، وفي رؤوس الحكام الإسرائيليين الذين أنشؤوا أسوأ نظام أبرتهايد في تاريخ البشرية.

لكن مأساة بيني موريس وأمثاله الحقيقية أنه، بعد كل ما ذكر، يعترف بأن مشروعهم الصهيوني فشل، لأن الفلسطينيين أصبحوا رغم التطهير العرقي والقمع والتنكيل، أغلبية في أرض فلسطين التاريخية.

ولأنه عنصري للعظم فإنه يرفض فكرة التعايش مع الفلسطينيين العنيدين والمصممين على البقاء، وبالتالي فإنه يتنبأ بأن الإسرائيليين سيضطرون للرحيل والهرب، لأنهم سيهزمون في نهاية المطاف.

وباختصار، فإن عنصرية بيني موريس، مثل عنصرية كل الفاشيين والنازيين سابقا، تقوده تماما إلى النهاية الحتمية نفسها التي لقيها هذا الفكر الرجعي في بلدان أخرى وهي الهاوية.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية