عملاق النفط الأميركي كولبنكيان يربط بغداد بلشبونة
• معرض يضمّ لوحات استثنائية لفنانين عراقيين
تحمل مؤسسة «كالوست كولبنكيان» أعمالاً فنية لم تُرَ سابقاً من العراق إلى البرتغال.
بغداد ولشبونة مدينتان لا تجمعهما قواسم مشتركة. لكن لوحات الفنانين العراقيين المعاصرين التي تزين اليوم جدران مؤسسة «كالوست كولبنكيان» في البرتغال أرست رابطاً دائماً بين المدينتين.
يُعرض في هذه المؤسسة اليوم 30 عملاً لثمانية عشر فناناً من فناني العراق المتميزين لم تُرَ سابقاً، مسلطةً الضوء على التاريخ المبهم لتدخّل عملاق النفط الأميركي كولبنكيان في العراق.
بغداد ولشبونة مدينتان لا تجمعهما قواسم مشتركة. لكن لوحات الفنانين العراقيين المعاصرين التي تزين اليوم جدران مؤسسة «كالوست كولبنكيان» في البرتغال أرست رابطاً دائماً بين المدينتين.
يُعرض في هذه المؤسسة اليوم 30 عملاً لثمانية عشر فناناً من فناني العراق المتميزين لم تُرَ سابقاً، مسلطةً الضوء على التاريخ المبهم لتدخّل عملاق النفط الأميركي كولبنكيان في العراق.
كان عملاق النفط الأميركي كولبنكيان، الذي دُعي عراب قطاع النفط في العراق في مطلع خمسينيات القرن الماضي، الأغنى في تلك الحقبة بعدما هُجِّرَ من أرمينيا وبدأ العمل في الشؤون الدولية، ممثلاً عدداً من حكومات دول مختلفة.لعل إرثه الأكثر أهمية دوره الحاسم كوسيط في المفاوضات الدولية التي أدت إلى استغلال حقول النفط العراقية.لُقّب كولبنكيان بـ«سيد الخمسة في المئة» بعدما حصل، بفضل دوره المؤثر في مؤسسة النفط في هذا البلد، على حصة 5 % في شركة نفط العراق. كذلك أصرّ على أن تكون نسبة 5 % من عمال حقول شركة نفط العراق من الأرمن.
مع هذه الثروة الضخمة التي جناها من حصصه في شركات النفط، استثمر كولبنكيان في تطوير قطاعات الثقافة، والفن، والتعليم، والعلوم، والرفاهية في العراق.عمل أيضاً خلال حياته على جمع أعمال فنية لا تُقدّر بثمن عكست أسفاره وذوقه الشخصي.أمضى رجل الأعمال وجامع الأعمال الفنية هذا سنواته الأخيرة في لشبونة. في هذه المدينة، وضع وصيته بإنشاء مؤسسة تحمل اسمه وتعود بالفائدة على المجتمع الدولي.كانت إستراتيجية المؤسسة، منذ إنشائها في عام 1956، «تحسين نوعية الحياة من خلال الفن، والإحسان، والعلم، والتعليم».
دعم الفن المحلي
تمثل المجموعة المعروضة في البرتغال وثائق غير منشورة ترتبط بثلاثة إنجازات مهمة حققتها المؤسسة في بغداد: بناء مركز فنون عصرية، وملعب الشعب، ومركز كولبنكيان الثقافي عام 1966.حصلت المؤسسة على أعمال فنية نادرة وفريدة كي تنشئ برنامج نشاطات بالتعاون مع العراق وحكومته، وفق القيّمة على هذه المؤسسة باتريشيا روساس.توضح: «كانت غاية المؤسسة دعم العمل الفني والتعليم المحليين بتخصيصها أول معرض تبنيه للفن المعاصر لبغداد».يضم المعرض أعمالاً استثنائية ومعبرة لفنانين أثبتوا أنهم شخصيات مهمة في تاريخ الفن العراقي المعاصر. تشمل هذه الأعمال لوحات، ورسومات، ومطبوعات حصلت عليها المؤسسة من فنانين فرديين ومن جمعية الفنانين العراقية على حد سواء».تخبر روساس: «تشكّل مجموعة الأعمال المعروضة هنا نتيجة جهود بُذلت للترويج للابتكار الفني وتدريب الفنانين بين بغداد ولشبونة». تشمل الأعمال المعروضة لوحات لحافظ الدروبي، مؤسس حركة جماعة الانطباعيين، وجواد سليم، مؤسس جماعة بغداد للفن الحديث في عام 1952، وفائق حسن الذي يُدعى غالباً أبا الفن الحديث العراقي. كذلك يقيم هذا المعرض حواراً بين التطور الثقافي والدبلوماسية الاقتصادية وبين الفن والهندسة في العراق وفي البرتغال.الاستثمار في العراق
ألقت ندى شبوط، بروفسورة متخصصة في تاريخ الفن في جامعة شمال تكساس، محاضرة في المؤسسة عن فنون العراق ومشهده الثقافي خلال ستينيات القرن الماضي، فضلاً عن الصيغ والتبدلات الثقافية المختلفة في بغداد. تذكر: «يمثّل المعرض رحلة عبر تجارب كولبنكيان في العراق».تتابع موضحة: «تعكس الطريقة التي أعد بها المعرض فترات زمنية مثيرة للاهتمام من مشاركة كولبنكيان في العراق. يضم هذا المعرض مواد توثيقية أصلية بالإضافة إلى أشرطة فيديو ورسومات هندسية». ابتُلي العراق بعقود من الصراع والتدمير قادت إلى ضياع أعداد كبيرة من اللوحات وكثير من المعالم الثقافية المهمة. لذلك يُعتبر معرض مماثل بالغ الأهمية.تؤكد شبوط: «في هذه المرحلة من الزمن التي ينسى فيها العالم باستمرار على ما يبدو العراق وفنه وثقافته، من الضروري تنظيم أعمال مماثلة تذكر العالم وتمنح العراقيين اهتماماً عالمياً».تخبر البروفسورة أن كولبنكيان استثمر في العراق لأنه رغب حقاً في تمويل مشاريع مختلفة. «اللوحات فريدة وتشكّل أمثلة ممتازة، وتشمل أعمالاً لفنانين معاصرين، من بينهم فائق حسن وحافظ الدروبي. هذه أعمال بالغة الأهمية، وما كنا نعرف مكانها سابقاً»، وفق شبوط.الاستمتاع بفن الشرق الأوسط
يدرك علاء بشير، الفنان العراقي والجراح التجميلي الشهير، تأثير كثير من الفنانين، الذين تُعرض أعمالهم، في بغداد وعالم الفن ككل. تمتاز لوحات الدروبي، مثلاً، بطريقته في دمج أساليب مختلفة تمتد من الفن التكعيبي إلى الانطباعية وتجمع بينها مسيرته في تدريس الفن، وفق بشير.يضيف بشير: «الدروبي أحد أهم الفنانين في العراق. تقترب تقنيته من الانطباعية. ويُعتبر سيد الألوان لأنه أحب التلاعب بالظلال ودرجات الألوان وتدرجاتها».بالإضافة إلى ذلك، تفانى الدروبي في تقديم المعرفة والموارد للفنانين المستقبليين في العراق. وكان أحد الرسامين العراقيين الأوائل الذين دمجوا بين التكعيبية والانطباعية في أعمالهم. فساعده هذا في تأسيس جماعة الانطباعيين العراقيين التي انضم إليها بشير في عام 1959.يضمّ معرض المؤسسة في لشبونة راهناً لوحتين للدروبي: «العائلة»، لوحة رُسمت بالأسلوب التكعيبي لعائلة الدروبي الخاصة. أما اللوحة الثانية «التناغم بالأزرق»، فهي عمل تجريدي يضم أساليب ألوان مختلفة.تخبر زوجة الدروبي سهيلة درويش: «يسرنا أن يقدّم المعرض فرصة للعامة كي يتعرفوا أكثر إلى فن الشرق الأوسط. ولا شك في أن حافظ كان سيشعر بالفخر لو علم أن أعماله تُعرض مع أعمال بعض أهم الفنانين في المنطقة».تأثر حافظ في غالبية أعماله بالتوجهات الفنية الغربية، ما أتاح له التنقل بحرية بين الواقعية، والانطباعية، والتكعيبية، مركزاً عموماً على مواضيع عراقية مهمة، حسبما توضح.تتابع: «آمل بأن يشكّل المعرض فرصة تسمح للعالم باكتشاف أعمال حافظ وغيره من فنانين عراقيين والتعرف إليهم وإلى أعمالهم، وإنجازاتهم، والتأثير الذي كان لهم في صوغ فن الشرق الأوسط».يحظى المشروع بالدعم من متحف ومكتبة فنون كالوست كولبنكيان وأرشيف كولبنكيان بالتعاون مع دائرة المنح.* مينا الدروبي
كولبنكيان استثمر في تطوير قطاعات الثقافة والفن والتعليم والعلوم والرفاهية في العراق