قالت السيدة هند الصبيح وزيرة الشؤون السابقة عن تجربتها في تلك الوزارة إنها لو كتبت كتاباً عن الفساد في وزارة الشؤون فلن تنتهي من الموضوع، والفساد الذي حددته لا يقتصر على الفساد المالي، وإنما الفساد الإداري الذي هو أعظم، حسب رأيها. هنا الفساد الذي تحدثت عنه هند من الضخامة بحيث لا يستوعبه كتاب. ماذا لو أن كل وزير سابق في مختلف وزارات الدولة ومؤسساتها ومهموم بواقع الفساد السرطاني أخبر الناس وقبلهم "مجلس الوزراء" الذي هو السلطة الحاكمة، والتي يتبعها مجلس الأمة (بحكم الواقع الفاسد)، بمثل ما صرحت به هند، فقد نتصور، مثلاً، أن مكتبة الكونغرس لن تستوعب حجم الفساد، وكل هذا لا يختلف عن تصريح سمو الأمير حين كان رئيساً للوزراء بأن فساد البلدية ما تشيله البعارين.هل من المجدي في النهاية الإقرار بعجز الكتب والبعارين عن حمل الفساد الإداري والمالي بالدولة؟! وهل سيغير هذا الاعتراف من واقع الحال؟ مثل تلك التصريحات التي أتت من قياديين تؤكد أن الإصلاح الإداري هنا يكاد يكون مستحيلاً بغياب الإصلاح السياسي أولاً، والإصلاح السياسي يتطلب بداية تغيير الطاقم السياسي القابع على صدر الدولة منذ سنوات طويلة، والذي أثبت فشله وعجزه عن الإصلاح، لأنه بذاته علة العلل وأساس الفساد.
الفساد يعني – كما نكرر في هذه المقالات – غياب حكم القانون، بمعنى غياب المساواة والعدالة في إدارة الدولة، وإذا كان لدينا "شبه ديمقراطية مضحكة" فهذا لا يعني وجود حكم القانون، فدول مثل أميركا اللاتينية مثلاً، أكثر منا ديمقراطية وتسبقنا بأشواط، لكن حكم القانون ليس كما هو في الدول الأوروبية، وجرعتها (دول أميركا اللاتينية) من الفساد المالي والإداري كبيرة، لكن ليس بحجم ما عندنا أو عند شقيقاتنا العربيات، التي علينا أن نصمت عن فساد أنظمتها وبطشها تحسباً من المساءلة القانونية في بلد الحريات.الفساد الذي يضرب عرض الحائط بالقواعد الدستورية والقانونية المكتوبة، والتي أكثرها مجرد واجهة شكلية لمظاهر الدولة الحديثة، يعني وضع الإنسان غير المناسب في العمل الحكومي، هو تجاوز المخلص من أجل صاحب الواسطة،، هو المحسوبية، هو الإنسان الجاهل، أو المتقبل للرشوة، هو المسنود من عضو مجلس أمة أو شيخ أو متنفذ كبير ولا يمكن محاسبته... وكل الأمور التي تنخر وتهدم حكم القانون.مع حال هذه السلطة المسؤولة واستقرار الفساد في جل هياكل الدولة، لا ينفع التمنيات عن "وجود أناس شرفاء" (حسب تصريح هند الصبيح السابق) يخففون من حجم الدمار لحاضر ومستقبل الدولة، ولا تجدي معه ثرثرة المقالات والتحليلات الصحافية وتطمينات الساسة، هو سرطان منتشر ومتوطن ولا علاج له بغير هدم كل هياكل الإدارة واجتثاثه من عروقها، وهذا ليس بيد هذه السلطة السياسية، ففاقد الشيء لا يعطيه.
أخر كلام
فاقد الشيء لا يعطيه
22-01-2019