في احتفال أقيم في المكتبة الوطنية في بيروت، وفي حضور فني وثقافي، وضمن الجلسة الثانية من النشاطات الثقافية في المكتبة الوطنية التي ستنعقد كل خميس، كرّم البرلمان الأسترالي «الكبير» وديع الصافي الذي كانت له محطات ناجحة في أستراليا، إذ زارها مرات عدة وأحيا حفلات للجاليات العربية فيها وغنى على أضخم مسارحها. استهلت حفلة التكريم بكلمة ترحيبية للمديرة التنفيذية في المكتبة الوطنية جلنار عطوي سعد، ثم تكلم الدكتور حسان عكرا، رئيس مجلس الإدارة المدير العام للمكتبة الوطنية الذي نوه بدور المكتبة الوطنية في حفظ التراث الوطني مهما كانت صفته.
أضاف: «نجتمع اليوم بالتعاون مع البرلمان الأسترالي لتكريم أحد عظمائنا، الفنان الكبير وديع الصافي، في رحاب المكتبة الوطنية التي تحفظ التراث، ونحن نعلم أننا لو أردنا ان ننهض بالبلاد، علينا أن ننهض بثقافته، ولدينا دور كبير نقوم به لنرد لبنان إلى مكانته «جنة على الأرض»، ويكون لبنان بغض النظر عن الطائفة والمذهب، ويكون ديني لبنان وتكون بلادي صلاة مثل ما أوصانا وديع بأغنية «يا بني»».
فنان عربي كبير
في كلمته التي ألقاها باسم النائب جهاد ديب، أكد الإعلامي اللبناني المغترب بيدرو الحاجة أن المناسبة «لتكريم عملاق كانت له صولاته وجولاته في نشر الفن اللبناني وديع الصافي، وهو ليس ملكاً للبنان بل ملك للعالم. وديع الذي ترك مجداً وإرثاً للأغنية اللبنانية، لا يزال صوته منتشراً في الأرجاء، وعندما نتكلم عن وديع لا نتكلم عن فنان لبناني بل عن فنان عربي كبير».أضاف: «أراد البرلمان الأسترالي أن يقوم بلفتة مميزة لخمسة فنانين من عمالقة الزمن الجميل، ومن ضمنهم الدكتور وديع الصافي، وكلفني النائب الأسترالي من أصل لبناني والوزير في حكومة الظل جهاد ديب تقديم شهادة تقديرية للعملاق الكبير وديع الصافي وإهدائها إلى روحه الطاهرة، وأنا أكيد أنه اليوم يرانا من فوق». بعد ذلك سلم الحاجة شهادة تقديرية إلى ابنه جورج وديع الصافي وشقيقه العميد إيليا فرنسيس.ظاهرة فريدة
أعرب العميد إيليا فرنسيس، شقيق وديع الصافي، عن امتنانه وعن «الوفاء ودائماً الوفاء الذي يختزن قلوبنا يا أهل الوفاء». وشكر الدولة الأسترالية والنائب ديب «لتكريم فنان الوطن والتراث وديع الصافي، بالتعاون مع المكتبة الوطنية التي نفخر بها كصرح ثقافي مضيء وبدعم مستمر من وزارة الثقافة والوزير الدكتور غطاس خوري ومدير المكتبة الدكتور حسان عكرا».أضاف أن شقيقه ظاهرة فريدة في عالم الغناء والتراث، وقد حمل لبنان بقلبه وصوته إلى الدنيا وخصوصاً أستراليا التي تكرمه اليوم مع هذه الكوكبة الوطنية». وسأل: «أوليس هو من غنى لبنان يا قطعة سما، وشدد على عودة المغتربين في معظم أغانيه من بينها «يا مهاجرين رجعوا غالي الوطن غالي»؟».تابع: «وديع الصافي صاحب رسالة مقدسة عاشها بالتراث والأصالة والإبداع وكرس صوته المعجزة لخدمة مبادئه، فنان الوطن والتراث هذا هو ابن هذه الأرض الطيبة، ابن نيحا الشوف الذي حمل صوته إلى دنيا الاغتراب»، واصفاً مبادرة الدولة الأسترالية بالحضارية لتكريم الصافي وتكريم لبنان معه».في ختام الاحتفال قدم الفنان جورج وديع الصافي أغاني لوالده الفنان الكبير وديع الصافي.مدرسة في الغناء
وديع الصافي (1 نوفمبر 1921 - 11 أكتوبر 2013) أحد عمالقة الفن في العالم العربي، أسس مدرسة قائمة بذاتها في التلحين والغناء مشت على هديها الأجيال المتعاقبة ولا تزال. رفع لواء الأغنية اللبنانية وأعلا من شأنها، وكان له حضور في الفن العربي. في رصيده آلاف الأغنيات من كلمات شعراء لبنانيين وعرب من بينهم أسعد السبعلي ومارون كرم، وألحان الأخوين رحباني، وزكي ناصيف، وفيلمون وهبي، وعفيف رضوان، ومحمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، ورياض البندك... فضلاً عن ألحان له، أدخل فيها المواويل. عشق وديع فرنسيس (اسمه الأصلي) الموسيقى منذ طفولته وانخرط في جوقة المدرسة التي كان يتعلم فيها وسرعان ما أصبح منشدها الأول. عام 1938 تقدم إلى مباراة نظمتها إذاعة الشرق الأدنى (الإذاعة اللبنانية في ما بعد) لاختيار مطربين شباب، فحلّ بالمرتبة الأولى، واستحوذ على إعجاب اللجنة الفاحصة التي اختارت له وديع الصافي اسماً فنياً نظراً إلى صفاء صوته. وفي إذاعة الشرق الأدنى تتلمذ على كبار الفنانين، وبدأ رسم ملامح هويته الفنية وهي الأغنية اللبنانية التي تعكس عادات المجتمع اللبناني وقيمه وتقاليده وجمال طبيعته. وكانت أغنيته الأولى «طل الصباح وتكتك العصفور» (1940)، من كلمات الشاعر اللبناني أسعد السبعلي الذي غنى وديع الصافي أغنيات عدة من قصائده. بما أن مصر أم الدنيا ومعقل الفن والفنانين، كان لا بد من أن يحج إليها وديع الصافي عام 1944، وهناك التقى محمد عبد الوهاب وارتبطا بصداقة قوية، لا سيما بعدما أبدى عبد الوهاب إعجابه بصوته وقال بعدما سمعه يغني «ولو» المأخوذة من أحد افلامه السينمائية: «من غير المعقول أن يملك أحد هذا الصوت»، إنه الأجمل منذ ألف سنة، ولو جمعت أصوات المطربين في صوت واحد لما ألفت صوت وديع الصافي، فهو صاحب أجمل صوت بين الرجال في الشرق». ثم لحن له أغنية «عندك بحرية يا ريّس». شهدت مصر انطلاقة وديع الصافي السينمائية مع نجيب الريحاني في فيلم «غزل البنات»، ثم قدم أفلام «الخمسة جنيه» و«نار الشوق» و«موال». بعد انتصارات حرب أكتوبر، قدم وديع الصافي أغنيته الوطنية «عظيمة يا مصر يا أرض النعم». وفي أوائل الخمسينيات أطلق أغنية «عاللوما» من الفولكلور اللبناني فحققت شهرة واسعة، وطعمها بموال «عتابا» أظهر قدراته الفنية.عام 1952، تزوج ملفينا طانيوس فرنسيس، إحدى قريباته، فرزق بدنيا ومرلين وفادي وأنطوان وجورج وميلاد.نهضة الأغنية اللبنانية
عام 1959، شارك في مهرجانات بعلبك الدولية مع مجموعة من كبار الفنانين اللبنانيين لتحقيق نهضة للأغنية اللبنانية انطلاقاً من أصولها الفولكلورية، من بين هؤلاء الفنانين: فيلمون وهبي، والأخوان رحباني، وزكي ناصيف، ووليد غلمية، وعفيف رضوان، وتوفيق الباشا، وسامي الصيداوي... واستمر في الوقوف على أدراج بعلبك لغاية عام 1974. مع بداية الحرب اللبنانية لم يتحمل وديع الصافي أن يرى لبنانه الذي غناه بأنه قطعة من السماء يتمزق ويحترق، فغادره مكرهاً عام 1976 إلى مصر ومنها انتقل إلى بريطانيا واستقر عام 1978 في باريس. عام 1990، خضع لجراحة القلب المفتوح، وسرعان ما عاد إلى نشاطه الفني وأحيا حفلات في لبنان وبلدان الاغتراب مع كل من المنتج اللبناني ميشال الفترياديس والمغني الإسباني خوسيه فرنانديز والمطربة حنين.تكريمات وجوائز
نال وديع الصافي خلال مسيرته الفنية جوائز وتكريمات من لبنان والعالمين العربي والأجنبي. في عام 1989 كرمه المعهد العربي في باريس بمناسبة اليوبيل الذهبي لانطلاقته وعطاءاته الفنية. ونال خمسة أوسمة لبنانية من الرؤساء كميل شمعون، وفؤاد شهاب، وسليمان فرنجية، والياس الهراوي. أما الرئيس اللبناني إميل لحود فمنحه وسام الأرز برتبة فارس. كذلك منحته جامعة الروح القدس في الكسليك دكتوراه فخرية في الموسيقى في 30 يونيو 1991، ومنحه سلطان عمان وسام التكريم من الدرجة الأولى (2007)...