حرب أهلية في لندن... هل تتجاوزها الديمقراطية؟
مرَّت بريطانيا خلال الأسبوع الماضي بأخطر وأعمق أزماتها السياسية منذ زمن بعيد. فبعد سنتين من الوعود تمَّت هزيمة خطة الخروج من الاتحاد الأوروبي هزيمة تاريخية، فكان أن صرَّحت رئيسة الوزراء تيريزا ماي بأن ما جرى هو طعنة قاتلة للديمقراطية. كما عادت للقول قبل يومين إن المطالبة بإعادة التصويت على الاستفتاء "تهدد النسيج الاجتماعي"، وهي عبارات تُستخدم عادة في بلاد البلابل الغارقة في الطين، لا في بلد "الماغنا كارتا". الأوضاع السياسية تزداد سخونة، وسط طقس شديد البرودة، لدرجة أنه تمَّت دعوة الجيش للتأهب لمواجهة احتمالات الاضطرابات الناتجة عن تفاقم أوضاع تاريخية وصفها سياسيون بريطانيون بأنها حرب أهلية، زاد من حدَّتها عدم وجود دستور مكتوب، ليفتي كلٌّ برأيه. يبلغ عدد النواب في مجلس العموم ٦٥٠، يسيطر حزب المحافظين على ٣١٧ مقعداً، وحزب العمال المعارض على ٢٥٧ مقعداً، والبقية لأحزاب أصغر، إلا أن تفاصيل الانقسامات حول الاتحاد الأوروبي لن تتسع لها هذه المقالة.
منذ ٢٠١٤، شنَّ رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، حملة ضد الاتحاد الأوروبي، كردِّ فعل على قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد الحكومة البريطانية في ٢٠١٣. فما إن بدأ بالتلويح بالاستفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي حتى تحرَّكت مجاميع "يوروسكيبتيكس"، أو "الخوارج المحافظين"، للمطالبة بالخروج، لتفرض تصوُّرها، والذي كان كاميرون يستخدمه للمناورة السياسية ليس إلا، فوافق على الاستفتاء، ظناً منه أنه لن يحصل على الأغلبية المطلوبة، فأعلن موقفه الرافض للخروج، ومعه وزيرة الداخلية حينها تيريزا ماي، رئيسة الوزراء الحالية. وعندما جاءت النتائج (٥٢٪) للخروج من الاتحاد، استقال كاميرون، وحلَّت محله تيريزا ماي، لتدعو إلى انتخابات مبكرة، فتخسر أغلبيتها بالبرلمان. حينها أقرَّت ماي بسوء تقديرها، واعترفت بأنها بكت ليلة إعلان نتائج الانتخابات. والآن، بعد سنتين فشلت ماي في التوصل إلى اتفاق طلاق مع الاتحاد الأوروبي، وخسرت خطة خروجها بأغلبية تاريخية في البرلمان.حالة الانقسام ليست هي المشكلة، لكن الأزمة التي لا يعرف أحدٌ كيفية الخروج منها، ولا أحد لديه إجابة واضحة لكيفية الخروج من الاتحاد الأوروبي، وعلى مدار سنتين لم تتمكن الحكومة البريطانية من التفاوض حول الخروج، وما زالت لا تعرف كيف تخرج. والأنكى هو أنه حتى خصومها من الأحزاب الأخرى ليس لديهم إجابات واضحة، من أقصى اليمين الذي يريد الخروج دون اتفاق، وأقصى اليسار الذي يطالب بتصويت جديد على استفتاء جديد. وما زالت الأزمة مستمرة، فالغبار لم ينقشع بعد. هل هي أزمة الديمقراطية، أم أزمة القائمين عليها؟ في الغالب ستنجح الديمقراطية في الخروج من الأزمة، لكن جراحها والاختلالات الهيكلية تطرح أسئلة جوهرية حول الديمقراطية. ويبدو أن هواة نظرية المؤامرة سيحيِّرهم هذا النموذج، فإن كانت بريطانيا هي مَن تقوم بالمؤامرات، فمن يا تُرى يتآمر على بريطانيا؟ مجرَّد خاطرة.