أقامت منصة الفن المعاصر (كاب)، بمقرها في مجمع لايف سنتر بالشويخ، قراءة ومناقشة في رواية "جليلة" مع الروائي حمود الشايجي، بإدارة الروائي إبراهيم فرغلي.في البداية، قال الشايجي، إن "رواية جليلة، التي تمتد على رقعة طويلة نسبياً من تاريخ الكويت الحديث، تنطلق من الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وتنتهي عام 1961، فأحداثها امتدت من الحبشة إلى الجزيرة العربية مروراً بعدن والحجاز ونجد إلى أن وصلت جزيرة فيلكا، مقر أحداث الرواية الرئيسية عن طريق رحلة أسرة الشيخ مراد". وأوضح أن أسرة الشيخ مراد، التي هي أسرة واحدة، كانت مثالا للتنوع الطبقي في المجتمع الواحد، حتى لو كان بنواة كالأسرة، فنجد في هذه الأسرة، الشيخ مراد الذي يعتبر قائدها، والشاهة زوجته الأولى ورجال الشيخ مراد (حراسه وأتباعه)، والخدم، وفي الطبقة الأخيرة العبيد.
وأضاف الشايجي قائلا "كانت الرواية بشخصياتها الكثيرة، وتوزعت أدوار البطولة فيها على شخصيات أسرة الشيخ مراد بشكل شبه متساو، وذلك بتعاقب الأجيال على هذه الأسرة التي استقرت في جزيرة فيلكا، وكانت سببا في بنيان الفنار أو المنارة التي تحولت إلى مقام الخضر، الذي عرفه الكويتيون وأهالي المنطقة، حتى أصبح مزاراً يأتي إليه الناس من إيران والعراق وأفغانستان والهند". وبيّن الشايجي، في حديثه، أن المقام الخضر هدم أكثر من مرة في تاريخ الجزيرة، حسب الروايات التي تتطرق إليها بعض المصادر، ورواية جليلة ذكرت احدى هذه المرات التي كانت في سنة 1933، رابطاً سنة الهدم هذه بسنة الهدامة الأولى التي وقعت سنة 1934، وهي بعد سنة من هدم المقام، حتى ان الناس هابوا ما حدث وأعادوا بنيانه حتى لا تصيبهم لعنة أخرى. أما من ناحية الدور النسوي، فقال "كان الدور النسوي في الرواية كبيراً جداً ومحركاً رئيسياً في الأحداث، فدور المرأة غلب على دور الرجل في الرواية أكثر من مرة، واتضح ذلك عن طريق البطلات الرئيسيات أو حتى من نساء الجزيرة اللاتي اتخذن مواقف خلفن فيها أزواجهن للمحافظة".
تحولات عدة
من ناحية أخرى، قال الشايجي إن "الرواية تطرقت إلى تحولات عدة في المجتمع الكويتي، منها دخول بعض التيارات المتشددة في الجزيرة، التي بدأت تدب الفرقة بين أبناء المجتمع عن طريق التحريم والتحليل شبه المجاني، الذي يتسق مع مصلحة هذه التيارات الدينية، فحتى موقف هذه التيارات من بعض القضايا العروبية والمواجهة مع العدو الصهيوني كانت تأتي بشكل مصلحي لا مبدئي".وأوضح "اهتمت رواية جليلة بعرض تاريخ الكويت كضابط للزمن في الرواية، فالانتقالات الزمنية فيها كانت قائمة على حوادث تاريخية حدثت في تاريخ الكويت، مثل، الاتفاقية البريطانية مع المغفور له الشيخ مبارك الصباح (مبارك الكبير)، سنة الهدامة الأولى، وسنة كساد اللؤلؤ، والحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، والدور الكويتي الكبير فيهما، واكتشاف النفط، والنكسة وحرب 1948 مع العدو الصهيوني، وصولاً إلى استقلال الكويت 1961".أما من ناحية سرد الرواية فقال "كان سرد الرواية يعتمد على الفصحى، أما الحوارات فكانت بالعامية، التي للوهلة الأولى يعتقد الناظر أنها كثيرة في رواية جليلة ومبالغ فيها، لكن عند تأمل هذه الحوارات سنجدها أنها مشاهد قائمة بحد ذاتها محركة للحدث الروائي، فهذه الحوارات ما هي إلا مشاهد يخلو منها السرد المفسر، ولجدتها على القارئ نجد بعض العسر في فهمها، لكن القارئ المتأمل المتأني سيجد أن "جليلة" طرقت منحى جديدا في مفهوم الحوار في الرواية العربية". وأكد الشايجي أن "هناك صعوبات يمكن أن يقابلها القارئ في نص جليلة، بما يخص العامية التي في أغلبها مفهومة للقارئ، لكن هناك مفردات كانت تحتاج إلى توضيح من الكاتب، سواء في الهامش أو عن طريق السرد نفسه".منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة
تباينت الآراء حول "جليلة" رغم الإشادات الكثيرة بها، لكن أهم المداخلات كانت للدكتور حسن أشكناني استاذ الأنثروبولوجيا في جامعة الكويت، وحديثه عن أهمية هذا النوع أنه من الأعمال الفنية والأدبية التي تحافظ على الموروث الإنساني الكويتي، الذي في أغلبه موروث شفوي، وهذه الأهمية تأخذ شقين أولهما معرفة الأجيال الحديثة بموروثهم، بينما الشق الثاني هو الدور المهم الذي تقوم به هذه الأعمال الأدبية من خلال تثبيت دور الكويت عالمياً وإنسانياً، ذاكراً أنه سيتم تقديم الرواية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) كعمل أدبي تطرق إلى الآثار في جزيرة فيلكا، وإلى مقام الخضر تحديداً، وعلاقة الناس بالمقام، وهذا ما يعزز دور الكويت في الحفاظ على موروثها وموقعها في المنظمة نفسها.