إيران والولايات المتحدة... هل مصيرهما العداوة الدائمة؟
ينتمي جون لمبرت إلى مجموعة حصرية: 52 دبلوماسياً أميركياً أخذتهم إيران رهينة طوال 444 يوماً خلال الثورة الإسلامية عام 1979، ومنذ تلك الأزمة التي بدأت قبل أربعين عاماً، جمعت هذين البلدين عداوة تفاقمت خلال عهد ترامب.رفع وزير الخارجية مايك بومبيو حدة الخطاب في مطلع هذا الشهر عندما حض العالم على عزل إيران وتعهد "بطرد آخر مقاتل إيراني" من سورية، وهكذا بلغت العداوة بين الولايات المتحدة وإيران حداً لا يسعنا إلا أن نتساءل معه عما إذا كانا سيبقيان عدوين إلى الأبد.ذكر لمبرت في مقابلة معه: "فكرت كثيراً في هذه المسألة". ما زال لمبرت يعشق إيران في سن الخامسة والسبعين ويعرب عن التزام كبير بمساعدة الأميركيين على فهم هذا البلد، لكنه يرى أن التفاعلات الثنائية اليوم أكثر خطورة من أي وقت مضى، قال بلهجة واقعية: "أعتقد أن أفضل ما يمكننا أن نأمله ألا نصل إلى الحرب".
يتحمل الطرفان المسؤولية مع قادة متشددين يندد أحدهم بالآخر في صراع يرضي قواعدهم الشعبية ويصون سلطتهم. يشكّل "الشيطان الأكبر" المدان عنصراً محورياً في دفاع إيران عن ثورتها وأسسها الدينية، في حين جعلت الإدارة الأميركية من الضغط المتنامي على إيران إحدى ركائز سياستها الخارجية.يقود هذه المقاربةَ العدائية العنيفة بومبيو وجون بولتون، مستشار الأمني القومي الذي دعا قبل انضمامه إلى الإدارة الأميركية إلى تغيير النظام وتوجيه ضربات عسكرية إلى إيران.في شهر سبتمبر، طالب بولتون بخيارات عسكرية حين أطلقت ميليشيات تدعمها إيران ثلاثة صواريخ أو قنابل هاون على بقعة أرض فارغة في مقر السفارة الأميركية في بغداد، ولكن لم تتخذ الولايات المتحدة أي خطوات. أما بومبيو، فبعد خطابه في القاهرة الذي تعرض لانتقادات واسعة والذي قوض انفتاح أوباما على إيران والعالم الإسلامي، يعزز جهوده هذه بإقامته اجتماعاً في بولندا الشهر المقبل هدفه توحيد الدول في ائتلاف مناهض لإيران بغية "التصدي لآيات الله لا استرضائهم". ترجع الخصومة بين الولايات المتحدة وإيران إلى زمن بعيد، حتى إننا نواجه صعوبة في تذكر أنهما كانا شريكين مقربين بعد استلام محمد رضا بهلوي زمام السلطة في عام 1941، فخلال الحرب العالمية الثانية، تحولت إيران إلى خط إمداد أتاح إيصال مساعدات الإقراض والتأجير إلى الاتحاد السوفياتي، وفي عام 1957 زوّد الرئيس دوايت أيزنهاور إيران بالتكنولوجيا الضرورية لبرنامج طاقة نووية سلمي، وخلال عهد نيكسون صارت إيران حارس المصالح الأميركية في الخليج العربي.لكن الكره الإيراني كان يعتمل كالجمر تحت الرماد منذ عام 1953 حين أطاحت الولايات المتحدة وبريطانيا برئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطياً، متيحة للشاه العودة إلى السلطة، ومع ثورة عام 1979، تخلص الإيرانيون من الشاه نهائياً وأسسوا دولة ثيوقراطية شيعية محافظة بتشدد. في المقابل، سممت أزمة الرهائن وجهات نظر الأميركيين من إيران، شأنها في ذلك شأن تصريحات إيران العدائية ورعايتها المجموعات المقاتلة والهجمات الإرهابية، بما فيها تفجير أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية الذي ذهب ضحيته 19 جندياً أميركياً من سلاح الجو الأميركي. علاوة على ذلك، تتفاقم المخاوف من إيران بسبب موقفها العدائي من إسرائيل، ومهاجمتها الجنود الأميركيين في العراق، ودعمها حزب الله في لبنان وحكومة الأسد في سورية والحوثيين في اليمن، وبرنامجها الصاروخي المتنامي، والشكوك في أنها قد تستعمل برنامجها النووي لتنتج أسلحة. ولكن لإيران مظالمها أيضاً: وقوف ريغان إلى جانب العراق ضد إيران في حربهما بين عامَي 1980 و1988، إسقاط مدمرة تابعة للبحرية الأميركية خطأ طائرة مدنية إيرانية فوق الخليج العربي عام 1988، مما أدى إلى مقتل 290 شخصاً، وعقود من العقوبات التي هدفت إلى تبديل سلوك إيران. في الولايات المتحدة حيث زار قليلون إيران أو درسوها، تشير استطلاعات الرأي إلى أن السعي إلى مقاربة أكثر تعاوناً لن تحمل مكاسب سياسية تُذكر، فقد عززت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، الحركة الإيرانية المعارضة "مجاهدي خلق"، والمملكة العربية السعودية، التي تملك كلها أجندات مناهضة لإيران، تكتلها لدعم معاقبة إيران لا التعامل معها. دفع هذا الضغط، فضلاً عن عداوة ترامب مع سلفه، الرئيس الأميركي السنة الماضية إلى تمزيق الصفقة الإيرانية لعام 2015، مبدداً فرصة فريدة، فلم يكبح هذا الاتفاق برنامج إيران النووي فحسب، بل ولّد أيضاً مساحة محتملة قد تتيح لإيران والغرب خفض عداوتهما تدريجياً وتوسيع تعاونهما.ما زالت إيران ملتزمة بهذه الصفقة التي عُقدت قبل ثلاث سنوات، إلا أن إيران لم توقف اعتداءاتها الإقليمية، مما أعطى ترامب عذراً ليصورها كعدو عنيف من الضروري التعاطي معه بقسوة ومحاصرته بالعقوبات.* كارول جياكومو*«نيويورك تايمز»