بلد المليون مطعم ومطعم!
عدت إلى البلاد بعد فترة سفر طويلة نسبياً، وربما هي الأطول منذ 35 عاماً، أول ما لفت نظري وصدمني حالة طرق وشوارع البلد المهترئة وتطاير الحصى، وحزنت كثيراً على وطني الذي صرف المليارات منذ تفجر الثروة النفطية، قبل أكثر من 60 عاماً، على البنية التحتية التي كانت مفخرة المنطقة في ستينيات القرن وحتى نهاية الثمانينيات منه، وكيف صارت أوضاعنا وجودة خدماتنا تتذيل الترتيب العام مع دول المنطقة.دول كثيرة تعاني من مشاكل، لكن شعوبها ومؤسساتها تقتص من المذنب وتدفعه ثمن خطئه، لكن عندنا لن يعاقب أحد، بل إن المقاول الفاسد ربما يحصل على مناقصة لإصلاح ما خربه بملايين الدنانير ليصلحه بطرق أكثر فساداً، ومليارات الدنانير المرصودة في الباب الرابع من الميزانية ستصب لنفس من خرب البنية التحتية ليقوم بأعمال الصيانة والإنشاءات الجديدة، وستتم معاقبة هيئة الطرق والنقل البري التي لم تباشر أعمالها إلا من عامين فقط عبر تصفيتها وإلغائها وعودة مسؤولية إنشاء وصيانة الطرق إلى وزارة الأشغال العامة، التي تسببت في الكارثة التي تعيشها طرقنا اليوم! لأن وزراء "8 سلندر" يرفضون نقل مسؤولية صرف رخص القيادة إلى هيئة الطرق، كما نص قانونها، كما يحدث في معظم دول العالم، ولأن ذوي النفوذ يريدون عودة مناقصات الطرق والإشراف عليها إلى وزارة الأشغال العامة!!***
في أول يوم في الديرة ذهبت إلى مقهى بأحد المجمعات التجارية تعودت أن أسترخي فيه، فوجدته تحول إلى مطعم وبجانبه مطعم وخلفه مطعم ويحده مطعم آخر، إنها غابة من المطاعم تحاصرنا في كل مكان بالكويت في مركز الضاحية التجاري وفي المجمعات التجارية والأسواق والبلاجات وعادة بالمجمعات التجارية، في الخارج تجد طابقاً علوياً فيه المطاعم، ولكن بالكويت في كل طابق وجنب هناك مطعم، إنها بلد المليون مطعم ومطعم، فلا عجب أن نحتل صدارة القوائم العالمية للسمنة، وكذلك الأكثر كسلاً وقلة ممارسة للأنشطة الرياضية والحركية.*** وجدت الكويتيين بشكل عام وكعادتهم، ازدادوا أناقة خاصة في الملابس الشتوية، يقتنون أفخر أنواع الملابس والعطور، والذوق العام في اختيار وتناسق الألوان لدى الجنسين رفيع، معدل اقتناء "الماركات" في ارتفاع، ومعارض الحث على الاستهلاك الكمالي تزداد، وفي كل مكان، مما يشكل ظاهرة عامة لا يستطيع أغلب الناس مقاومتها، غالبية الكويتيين العظمى لديهم أسنان ناصعة البياض ومتناسقة وبابتسامة هوليوودية أو ضحكة المشاهير، وهو ما يؤكد أن عيادات الأسنان بالكويت تحقق أرباحاً طائلة!*** معظم النقاشات العامة لم تتغير، العفو العام، عضوية الطبطبائي والحربش، قضايا الفساد القديمة والجديدة، التقاعد المبكر وإسقاط القروض، عيوب مطار "تي فور" الجديد، الذي جعل المسافرين ينحشرون في صالاته بموسم عطلة الربيع، وأسطوانة أولويات مجلس الأمة وتسريع الإنجاز المشروخة، وعندما تتحدث عن الكويت 2035 والتنمية ينظر لك الناس بنظرة عجيبة، وكأنهم يقولون لك: هل أنت غبي أم تعيش في المريخ؟!