في الوقت الذي تنوي فيه وزارة العدل العمل على تعيين الطباعين الكويتيين في أقسام طباعة الاحكام القضائية بالمحاكم، بعد حصولها على موافقة ديوان الخدمة المدنية على توفير 581 وظيفة طباعة لمواطنين كويتيين، بدلا من الطباعين الوافدين، طالب عدد من القضاة السابقين أن يتم العمل على تعيين الطباعين تدريجياً، خشية ارتباك العمل في المحاكم، في حال إنهاء خدمات كل الطباعين الوافدين وإحلال المواطنين محلهم، مطالبين بأن يتم توفير التدريب اللازم لمن سيتم تعيينهم في طباعة الاحكام القضائية.وبينما تباينت آراء القضاة والمستشارين السابقين بالقضاء، في تصريحاتهم لـ «الجريدة»، حول سلامة فكرة الاستعانة بالشباب الكويتيين في وظيفة طباعة الاحكام أكدوا أنها وظيفة مرتبطة بعمل الدوائر القضائية، وقد تؤثر على مواعيد الاستئنافات والطعون.
من جهته، أكد رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس المحكمة الدستورية رئيس محكمة التمييز السابق المستشار فيصل المرشد أن قرار تعيين الطباعين من المواطنين الشباب لن يتناسب مع الواقع العملي الذي تشهده طبيعة عمل المحاكم.واضاف المرشد: «الشباب الكويتي والنعم فيه؛ لكنه لن يتحمل طباعة الأحكام التي تحتاج الى خبرة خاصة في قراءة خطوط رجال القضاء على اختلافها في الرسم الكتابي والشكل، وسوف تزدحم الأحكام بالأخطاء المطبعية، بما يستحيلُ معه فهمها الفهم الصحيح».
مراجعة الحكم
وأردف: «خاصةً أن أشقّ مهمةٍ على القاضي هي مراجعة الحكم وتصحيح الأخطاء، وأغلبهم لا يتابع هذه المسألة المهمة، فضلاً عن أن كمية الأحكام التي يتعين صدورها يومياً تفوق طاقة الشباب، مع الأخذ في الاعتبار ارتباط الأحكام بمواعيد الطعون، وضرورة إنجاز الطباعة مع توقيع القاضي عليها في مواعيد مناسبة. وهي محطات سوف تطول عما هو عليه الوضع الآن».وأكمل المرشد قائلا: «كل هذه المهام والواجبات المرتبطة بالكم والإتقان والمواعيد، مع قلة الخبرة، سينجُمُ عنها شكاوى وإشكالات لا حصرَ لها، وستنعكس سلباً على مصلحة العمل، علاوة على أن الشاب الكويتي طموح ولن تقف طموحاته عند هذه الوظيفة، وسوف يشعر بالضجر، حتى وإن وجِدَت الحوافز؛ بل سيواصل محاولاته ومساعيه لنقله الى وظيفة أُخرى أكثر استقراراً ورفعةً من وجهةِ نظره، وإن قلَّت حوافزُها عن هذه الوظيفة، ليكون لهُ شأن في الوظيفة الجديدة التي تُرضي طموحه».شكوى المتقاضين
بدوره، قال المحامي والقاضي السابق أسامة العبدالجليل إن نجاح العمل الإداري في المحاكم لا يرتبط بجنسية معينة، بل بمنظومة إدارية كاملة تعمل الادارات المعنية في المحاكم على تحقيقها، دون تدخل أو محاباة أو عرقلة. وأضاف العبدالجليل أن تعيين طباعين كويتيين في المحاكم لطباعة الاحكام القضائية من القرارات المتوقعة في عمل المحاكم، وذلك لانه سبق تعيين الوزارة للمواطنين للعمل كمندوب اعلان وسكرتير جلسة وسكرتير للتحقيق في النيابة العامة، وبالتالي فان فكرة الاستعانة بالمواطنين في مجال الطباعة سينجح طالما تحققت المنظومة والاشراف اللازمين لإتمام ذلك.وبين أن وضع الطباعة حاليا ليس بجيد، رغم ان من يتولى العمل حاليا ليسوا مواطنين، حيث يشتكي المتقاضون الآن من مشاكل في تأخير طباعة الاحكام القضائية وتسليمها أحيانا بعد فوات ميعاد الطعون، لافتاً الى ان هناك طعونا ترفع على شهادة منطوق أحكام، لا حيثيات حكم، بسبب التأخر في طباعة الاحكام وخشية المحامين من فوات ميعاد الطعن الذي يرتب مسؤوليته تجاه موكله.وذكر العبدالجليل أن تعيين الطباعين الكويتيين يجب ألا يتم مرة واحدة، بل تدريجيا، ضمانا لعدم احداث ربكة في العمل بالمحاكم تؤدي الى التأخر في اصدار الاحكام، وهو ما سيؤثر على مواعيد الطعن على الاحكام، وهو الامر الذي قد يثير مسؤولية الوزارة القانونية تجاه المتضررين من ذلك.الحكومة
من جانبه، قال المحامي والقاضي السابق د. محمد منور المطيري إنه «لا شك أن سياسة توطين المهن التي تنتهجها غالبية دول العالم هي سياسة مستحقة، بل واجب يتعين التزام الحكومات فيه بطبيعة الحال، فلا يوجد عمل ولا علم محصور في جنسية او مقصور على أخرى. ومهنة طباعة أحكام القضاء تكاد تكون ابسط المهن التي تحتاج إلى مهارات محدودة من السهل جداً تدريب المواطنين عليها، قبل التعيين بها، ولا يقبل توفيرها للوافدين إذا كان هناك طلب عليها من الكويتيين».وأضاف منور أن «التشكيك في قدرة المواطن على القيام بأعبائها مسألة لا علاقة لها بقدراته الفنية، بل بعدم الثقة في أمانته المهنية واستقلاله الوظيفي. وإذا كانت هذه هي المعضلة، فإن الموضوع أخطر وأكبر من مجرد مهنة طباع».ولفت إلى أن الثقة في قدرات المواطنين لا تتجزأ، فمهنة الطباع مهمة كما هي مهنة القاضي الكويتي، ولا يعقل أن يكون الكويتي قادراً على القيام بأعباء القضاء بالأحكام ولا يكون قادراً على طباعتها»!وبين أن القلق من مستوى طباعة الأحكام أو الخشية من فوات مواعيدها أو تسريب مضمونها يجب ألا يكون هو المشكلة، بل المشكلة هي وجود جيل من المواطنين لا يحترمون ولا يقدرون قيم العمل، وهي ثقافة تسأل عنها الحكومة في كل قطاع ولا يتحملها الأفراد لوحدهم.وختم منور بالقول: «ورغم كل ما تقدم، فأنا مع التدرج في تطبيق الأحكام، كما هو منهج التشريع الإسلامي في تغيير الأحوال. فلا بأس من تطبيق تدريجي للتغيير ومنح المواطنين فرصة لسد الحاجة وتمكين المختصين من دراسة النتائج، وتقدير الحلول تبعاً لمعطيات الواقع التجريبي».