غياب المخرج اللبناني جورج نصر... «أبو السينما اللبنانية»
• اقتحم «مهرجان كان» بفيلمه «إلى أين؟» وصوّر غربة الإنسان
في يناير من عام 2018 كرَّمت بيروت المخرج جورج نصر الملقب بـ «أبي السينما اللبنانية» من خلال تنظيم أسبوع مخصص لأفلامه، عرضت خلاله نسخة مرممة من فيلمه «إلى أين؟» (أول فيلم لبناني يعرض في مهرجان كان في خمسينيات القرن الماضي)، فضلاً عن فيلم وثائقي عنه بعنوان «نصر». وفي 23 يناير 2019 غاب جورج نصر بعدما اطمأن إلى السينما اللبنانية في انطلاقتها الجديدة على يد مخرجين شباب، عمل على تنشئتهم لحمل المشعل من بعده.
«مسيرة حافلة بشغف بالسينما اللبنانية غير آبهة بالعراقيل والصعاب، لا سيما ضعف التمويل وغياب المنتجين»، هكذا يمكن اختصار حياة المخرج اللبناني جورج نصر (15 يونيو 1927- 23 يناير 2019)، الذي كرس فنه وموهبته لتأسيس قطاع سينمائي متكامل يضع لبنان على الخريطة السينمائية العالمية، لكن الحرب التي عصفت بلبنان سنوات طويلة حالت دون نهوضه بالسينما اللبنانية، فانصرف إلى تنشئة أجيال من الشباب علهم يحققون حلمه. آمن المخرج جورج نصر بالطاقات اللبنانية في القطاعات المختلفة التي تعنى بالسينما من فنيين وتقنيين، وعمل جاهداً طوال حياته على تأسيس صناعة سينمائية لبنانية، وأكاديمية تخرّج فنيين تستفيد منهم السينما في المنطقة العربية، لا سيما أنه تعاون مع طاقات ومواهب لبنانية مبدعة.
أحلام جورج نصر وطموحاته تخطت حدود بلده، وكم كانت فرحته كبيرة عندما شارك بفيلمه الأول «إلى أين؟» في «مهرجان كان» عام 1956 رافعاً علم لبنان للمرة الأولى في أضخم مهرجان عالمي للسينما. ويعتبر الفيلم محطة مهمة في تاريخ السينما اللبنانية.وبعد 60 عاماً على هذا الحدث، عرض «إلى أين؟» في نسخة مرممة في بيروت بمبادرة من شركة «أبوط برودكشنز» (Abbout Productions)، للإنتاج و«مؤسسة سينما لبنان» و«نادي لكل الناس»، ضمن أسبوع جورج نصر تكريماً له.كذلك عرضت النسخة المرممة من الفيلم في «مهرجان كان» في 25 مايو 2017، وهكذا عاد جورج نصر إلى كان للمرة الثانية ووقف إلى جانب كبار المخرجين العالميين، بعدما أدرج فيلمه ضمن «كلاسيكيات كانّ». حول فيلمه قال نصر إنه لم يكن في لبنان احتراف سواء في التمثيل أو في التقنيات، فاستعان بحدّاد لصنع سكة وضع عليها الكاميرا، وبنجّار لصنع عربة آلة التصوير المتنقلة والألواح العاكسة للإضاءة.
حلم كبير
ولد جورج نصر في طرابلس في شمال لبنان. عشق السينما منذ طفولته المبكرة لدرجة أنه كان يشاهد نحو ثمانية أفلام في الأسبوع، مع ذلك عندما أنهى دراسته الثانوية اتجه نحو التخصّص في الهندسة المعمارية، وفي عام 1948 قصد مدينة لوس أنجلس لمتابعة اختصاصه، ولكنه ما لبث أن انتقل إلى الإخراج السينمائي وتخرج عام 1954 بتفوّق، وتدرّب في استوديوهات هوليوود وفرنسا. عام 1955 عاد إلى وطنه يرافقه حلم كبير: تأسيس سينما في لبنان. أخرج فيلمه الأول «إلى أين؟» (1956)، الذي يتمحور حول معاناة المهاجرين اللبنانيين في أميركا والبرازيل، وصوّر الظروف المأسوية التي يعيشونها. خلال وضع اللمسات الأخيرة على الفيلم في أحد الاستوديوهات الفرنسية، شاهده أحد المخرجين الفرنسيين، فأعجب به وطرحه على لجنة «مهرجان كان» عام 1957 فأدرج ضمنه وصنّف بين الأفلام الثلاثة الأولى. هكذا حلّ لبنان على الخريطة السينمائية العالمية للمرة الأولى. رغم هذا النجاح الكبير لم يشهد «إلى أين؟» إقبالاً في الصالات اللبنانية. في أوائل ستينيات القرن الماضي، أخرج نصر فيلمه الثاني «الغريب الصغير»، ويتمحور حول هروب فتى من بيته إلى عالم الراشدين، ولكنه يواجه مصيراً غريباً ومتناقضاً. لم يُعرض الفيلم في بيروت ولكنه عرض في «مهرجان كان» عام 1962.بعد فيلمه الثاني انصرف جورج نصر إلى إخراج الأفلام الوثائقية وعمل في مجال الأفلام الدعائية. وفي عام 1973 أخرج فيلمه الثالث «المطلوب رجل واحد»، من إنتاج المنظمة الوطنية للأفلام في سورية. صوّره في منطقة كسب على الحدود التركية، ومثّل العمل سورية رسمياً في مهرجاني موسكو وقرطاج. وهو يتمحور حول حكاية فلسطينية مجازية عن مخطط وريث أسرة مسالمة للانتقام من حاكم قريته الظالم.تعلق بالوطن
رغم المآسي التي شهدها بسبب الحرب التي عصفت بلبنان، والتمزق والتشتت والاقتتال بين أبناء البلد الواحد، رفض جورج نصر مغادرة بلده، وكان يسافر فترة ولا يلبث أن يعود، فهو لا يستطيع أن يفارق أرض اجداده التي تسرّب حبها في دمه، لذا انصرف منذ عام 1992 إلى تدريس مادتي الإخراج والسيناريو في إحدى الجامعات الخاصة في لبنان، لتنشئة أجيال تنهض بالسينما اللبنانية التي طالما حلم بها، وتولى منصب رئيس نقابة الفنيين السينمائيين في لبنان، لخدمة هذا القطاع رغم الإمكانات الضئيلة التي توافرت له.نصر
فيلم «نصر» الوثائقي، من إخراج أنطوان واكد وبديع مسعد، يتمحور حول حياة جورج نصر والمعارك التي خاضها لإيجاد صناعة سينمائية في لبنان، ويربط بين قصّة حياته وقصّة ولادة السينما اللبنانيّة وتطورها. نال الفيلم جائزة صلاح أبوسيف لأحسن إسهام فني من مسابقة آفاق السينما العربية ضمن الدورة الـ39 من مهرجان القاهرة السينمائي 2017.
كرَّس فنه وموهبته لتأسيس قطاع سينمائي متكامل يضع لبنان على الخريطة السينمائية العالمية