«دافوس 2019»... كيف للعولمة في مرحلتها الرابعة نفع جميع البشر؟
رغم الخطاب الإيجابي الذي يتحدث عن «عدم ترك أي شخص وراء ركب العولمة»، فالحقيقة أن الكثير ممن يمرون بأزمات يتخلفون عن الركب، ويخلقون بقاعاً واسعة من الفقر والصراعات مع عواقب وخيمة على العالم إذ تُركت هذه الظاهرة تتفاقم.
أصبح منتدى دافوس الاقتصادي العالمي الذي يعقد في يناير من كل عام، ويحضر فعالياته شخصيات حكومية ورموز دول وكبرى الشركات ومنظمات المجتمع المدني، أيقونة للعولمة، ومؤخرًا بدا التزام المشاركين بجعل العالم المتصل حقيقة قائمة تشمل الجميع، أكبر من أي وقت مضى، بحسب تقرير للموقع الرسمي للمنتدى.ويُعتقد أنه حال لم تصبح العولمة - في مرحلتها الرابعة الآن- أكثر شمولًا ومساواة وأمنًا فإنها لن تستطيع البقاء على قيد الحياة ولن تستحق ذلك، فالعولمة الحقيقية تعني أن الجميع يشعرون بالأمان والازدهار، ولعل أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والتي تحدد مقاصد العالم لإنهاء الفقر وحماية الكوكب وتحقيق المساواة بين الجنسين، هي اعتراف بهذا المعنى.
خلل رغم التفاؤل
- رغم الخطاب الإيجابي الذي يتحدث عن «عدم ترك أي شخص وراء ركب العولمة»، فالحقيقة هي أن الكثير ممن يمرون بأزمات يتخلفون عن الركب، ويخلقون بقاعًا واسعة من الفقر والصراعات مع عواقب وخيمة على العالم إذ تُركت هذه الظاهرة تتفاقم.- في السنوات الثلاث منذ اعتماد أهداف التنمية المستدامة من قبل 193 بلداً، أحرز العالم تقدماً مهماً في 17 هدفا من المقرر إنجازها بحلول عام 2030، مع أداء مقبول لأكثر من ثلث البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.- لكنّ تقريرا صدر أخيرا عن لجنة الإنقاذ الدولية ومعهد تنمية ما وراء البحار، كشف أن ما يصل إلى 82 في المئة من الدول الهشة المتأثرة بالنزاعات مثل جنوب السودان لا تسير على خطى تحقيق أهداف 2030.- قد تكون هذه مشكلة لدى عدد من الدول غير المحظوظة، لكن الفجوة المتنامية بين الدول المستقرة والهشة في أهداف التنمية المستدامة تعد علامة تحذير للمجتمع الدولي، وهنا يجدر الإشارة إلى أن نيجيريا رغم صراعاتها الداخلية تفوقت في هذه الجهود على الهند (البلد الذي يعيش فيه أكبر عدد من الناس في فقر مدقع).- على أي حال، بحلول عام 2030، ستصبح الدول الهشة والمتأثرة بالنزاعات، مثل نيجيريا، موطنا لـ85 في المئة من فقراء العالم المدقعين، والذين يقدر عددهم بـ342 مليون شخص، مع توقعات بتركز 70 في المئة من وفيات الأطفال في هذه البلدان (مما يعني وفاة 2.4 مليون طفل دون سن الخامسة) خلال نفس الفترة.عدوى زعزعة الاستقرار
- في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي يبلغ تعداد سكانها 81 مليون نسمة (عدد مماثل لألمانيا)، احتل البلد الإفريقي المرتبة الخامسة عشرة في مؤشر التنمية البشرية، لكن ذلك قبل الاضطرابات التي شملته بفعل الخلافات السياسية وتزايد عنف الجماعات المسلحة.- عندما اكتشفت الحالات الأولى للإيبولا في البلاد العام الماضي، عرقلت الصراعات وصول الأطباء وعمال الإغاثة إلى المرضى والمساعدة في عزل المرض، والآن أصبحت الكونغو ثاني أكبر موطن لمصابي الإيبولا، وتشعر البلدان المجاورة بقلق متزايد إزاء إمكانية تدفق اللاجئين إليها، وفي ذلك احتمالية لانتقال الإيبولا أيضاً.- إن أهداف التنمية المستدامة هي أفضل أداة عالمية يجب أن يُقاس بها مدى التحسن في رفاهية الناس، لكنها ستكون أداة للتغيير الحقيقي إذا وضع العالم الأشخاص المنكوبين على رأس أولوياته.- إذا لم يحدث ذلك، فإن عدم الاستقرار والصراع والافتقار إلى الفرص التي تعوق الدول الهشة مثل الكونغو ستنتقل إلى خارج حدودها وتؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة استقرار مناطق بأسرها، مع بعض الانعكاسات على الدول الأخرى.يد العون
- تتراجع الحكومات في جميع أنحاء العالم عن التزاماتها، وهذا يعني أهمية إبراز دور القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، إذ يمكن لهؤلاء توفير الخبرة الفنية والتمويل للمساعدة في تطوير الحلول القادرة على تحقيق التأثير المستدام.- يمكن للقطاع الخاص والمجتمع المدني أن يعملا معاً لتحفيز التقدم في معالجة ثلاث من أكثر القضايا افتقارا للاستثمار في الدول الهشة، وهي التعليم والتدريب المهني وتغذية الأطفال، إذ لا تذهب سوى 2 في المئة من ميزانية المعونة والتبرعات الإنسانية إلى التعليم.- كما يمكن للشراكة بين الجانبين أيضاً دعم سبل العيش والفرص الاقتصادية التي تُحدث تحولات في المجتمعات، ومن شأن هذه الاستثمارات، حتى في أكثر البيئات صعوبة، مساعدة الأشخاص الذين يعيشون في أزمة ما على استعادة السيطرة على حياتهم ووضعهم على طريق الاستقلال عن المساعدات الخارجية.- الاستفادة من قدرات وخبرات القطاع الخاص يمكنها أيضاً تيسير عملية إيصال المساعدات وتوفير الأطعمة والأدوية لمواجهة سوء التغذية، الذي يعد أكبر سبب لوفيات الأطفال في مناطق الصراع.- مع ذلك، فإن القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، لن تحل محل العمل الحكومي الرسمي القوي، ولا يمكن الحفاظ على اقتصاد عالمي مفتوح في ظل وجود سياسات منغلقة يتبناها الشعبويون، ويجب أن يدرك الجميع أن دعم الدول الهشة هو أمر صحيح أخلاقياً، وإذا لم يتم التحرك الآن فسيضطر العالم لبذل جهود مضاعفة في المستقبل.