وصفت إدارة الرئيس ترامب جولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأخيرة الى الشرق الأوسط بأنها جولة نقل رسائل، وجاءت هذه الجولة التي حملت بومبيو إلى الأردن ودول الخليج العربي، واختتمت في سلطنة عمان بعد أسابيع قليلة فقط من إعلان الرئيس ترامب أن الولايات المتحدة ستسحب كل قواتها من سورية خلال أشهر، وقد أمضى بومبيو القسم الأكبر من جولته هذه في إقناع الحكام العرب بأن الولايات المتحدة ستظل لاعباً مؤثراً في الشرق الأوسط.

وكما هي الحال بشكل نموذجي مع الكثير من وزراء الخارجية الأميركيين الذين يلقون خطابات في دول أجنبية تحدث بومبيو عن دور أميركا على شكل «قوة خير» في هذه المنطقة، معرباً عن رغبتها واستعدادها للوقوف الى جانب شركائها في أوقات الأزمات.

Ad

وعلى أي حال فإن الكلمات الطيبة عن دور الولايات المتحدة في القيام بأعمال خيرة لا تخبرنا بالكثير عما إذا تعلمت واشنطن من الدروس القاسية التي يتعين عليها تعلمها من أجل تفادي عقد آخر من التورط في الرمال المتحركة في الشرق الأوسط.

وفي حقيقة الأمر– وبحسب كلمات بومبيو– فإن الولايات المتحدة لم تفشل في التعلم والتكيف فقط، بل إنها تقترب بصورة خطرة من تكرار الحكم السيئ نفسه، كما أن جهاز السياسة الخارجية الأميركية الذي يعمل وفقاً لحصيلة رحلة وزير الخارجية بومبيو إلى المنطقة قد أساء تماماً تشخيص السبب الذي يجعل الشرق الأوسط منطقة عنف ومنافسة حادة وموقع خلل.

وربما يعتقد بومبيو أن مصدر مشاكل الولايات المتحدة يكمن في الافتقار الى قيادة أميركية، وفي التوجه الإيراني النشط نحو المغامرة، لكنه مخطئ في هذا التصور، وإذا كان هناك من يريد الحصول على تفسير حول الغليان السياسي الواضح في الشرق الأوسط فسوف يتعين عليه فقط النظر الى حكومات المنطقة للحصول على أجوبة.

وحكومة إيران طبعاً واحدة من تلك الحكومات التي أسهمت في شيزوفرونيا العنف بشكل بارز.

وقد أظهرت طهران أنها مصدر تلاعب متميز وتتسم قيادتها السياسية والعسكرية بالخبرة في استغلال الأخطاء الجيوسياسية لخصومها من أجل تحقيق أهدافها، وكما أن إدارة ترامب مولعة بالتكرار تظل إيران أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم وتضخ المال والسلاح إلى مجموعات متنوعة مثل حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان وطالبان في أفغانستان.

ولدى فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي عناصره في الكثير من أشد مناطق النزاع قسوة في الشرق الأوسط، وتعمل تلك العناصر على نقل الدعم إلى عملاء إيران من أجل إرهاق منافسيها أو– كما هي الحال في سورية– على إنقاذ نظام حليف لطهران من الانهيار.

كما أن بومبيو يشعر بقلق شديد إزاء سياسة إيران الخارجية، فهو إضافة إلى زملائه في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وإفريقيا سيجتمعون في بولندا في 13-14 فبراير المقبل من أجل مناقشة الاستراتيجيات الفعالة الرامية إلى تغيير تصرفات طهران.

بعد غزو العراق

وتبتلي النزعة الطائفية التي طفت إلى السطح بعد الغزو الأميركي للعراق في سنة 2003 منطقة الشرق الأوسط كما أن الحكومات تستخدمها على شكل أداة للسياسة الخارجية ضد خصومها، ومع قلة من الاستثناءات تعتبر الحوكمة في المنطقة غير فعالة كما كان عهدها سابقاً، والقادة السياسيون في بغداد وطهران والرياض والقاهرة يتزعمون شريحة كبيرة من الشباب الذين يملكون قلة فقط من الفرص الاقتصادية والاجتماعية، ويتم الحفاظ على الحكم بقدر أقل من خلال الموافقة على مطالب الشعوب لا مطالب أجهزة الاستخبارات وقوى الأمن.

وكان بومبيو ناقش بعضاً من هذه القضايا خلال جولته الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، ولكن الذي فشل في نقله الى زملائه في العواصم العربية المتعددة كان أن الولايات المتحدة كدولة ذات مصالح أمن قومي ضيقة في المنطقة ليس لديها الصبر والوقت والإمكانية لحل هذه القضايا كلها، وليس لدى واشنطن وصفة حل جاهزة لتخطي الجبل الكئيب الذي لا يستطيع سوى رجال السياسة العرب تسلقه.

وفي الكثير من الإدارات الجمهورية والديمقراطية كان الاعتقاد السائد لدى المسؤولين في الولايات المتحدة أن الحل للكثير من مشاكل المنطقة يقع على كاهل وزارة الخارجية، ولو أن قادة السياسة الخارجية أمعنوا النظر بقوة كافية لاكتشفوا الصيغة السحرية التي تجعل من الشرق الأوسط نقطة تبرعم للسلام والهدوء والديمقراطية.

الأعباء الأميركية

تم خلال آخر 17 سنة نشر مئات الآلاف من الجنود الأميركيين وطلب تريليونات الدولارات من أموال دافعي الضرائب، ومن دون نهاية في الأفق، وهو ما يشكل الدليل الأفضل على أن مثل هذا الافتراض كان خطأ جلياً وقد أفضى إلى نتائج عكسية. وهذا ما يظنه الشعب الأميركي بكل تأكيد.

وإذا كانت دراسة حديثة صدرت عن معهد تشارلز كوخ تشكل أي مؤشر فإن المواطنين الأميركيين لم يعودوا يرون أي فائدة في الحفاظ على القوات الأميركية في مناطق النزاع من أجل الحفاظ على تلك المناطق، ويتملك القلق المتزايد شرائح الشعب الأميركي نتيجة الفكرة القائلة إن مسؤولية أميركا تتمثل بالقيام بدور الملاك الحارس في الشرق الأوسط، أو أن يقبع جندي من ولاية كنتاكي في قاعدة صغيرة مكشوفة عند الحدود السورية– الأردنية لمجرد أن مجموعة من الشيعة التي ترعاها إيران تنشط في تلك المنطقة.

وبين المصافحات والخطابات والصور التذكارية أضاع وزير الخارجية الأميركي بومبيو فرصة ذهبية من أجل توجيه رسالة قاسية كان يتعين على إدارة الرئيس ترامب توجيهها الى القادة العرب: ستستمر الولايات المتحدة في تأدية دور في أحداث منطقة الشرق الأوسط، لكنها سوف تفعل ذلك من أجل ضمان حماية مصالحها في الأمن القومي والدفاع عنها في وجه أي أخطار محتملة.

وهذه المصالح قليلة بصورة نسبية وتشتمل على ما يلي: حماية الوطن الأميركي من الإرهاب، ومنع قوة مهيمنة من السيطرة على سياسات المنطقة وإبقاء أسواق النفط مستقرة بالنسبة الى المستهلك الأميركي، وعندما تتطابق مصالح الدول الأخرى مع الأهداف الأميركية فلن تتردد واشنطن في الدخول في ترتيبات براغماتية ومرنة، ولكن عندما لا تتطابق تلك المصالح فيتعين على القادة العرب ألا يفترضوا الحصول على غطاء وعلى دعم أميركي غير مشروط.

وتصادف هذا الإطار من العمل بصورة تامة مع مواقف ومشاعر الرئيس ترامب، وحان الوقت الآن كي يلحق مساعدو الأمن القومي برئيسهم.

● دانييل دي بتريس– ناشيونال إنترست