فضيحة جنسية تهز ثقة الإسرائيليين بالنظام القضائي
من غير المرجح أن تزعزع فضيحة النظام القضائي الدعم الذي تتمتع به وزيرة العدل أيليت شكد في قاعدتها السياسية، فلا تُعتبر الوزيرة محور أي شبهات ولم تستدعِها الشرطة للاستجواب، ولم تلوث أي شائبة صورتها كسياسية نزيهة، إلا أن الحفاظ على هذه الصورة النقية سيزداد صعوبة من اليوم فصاعداً.
بدأت هذه القصة مع هاتف محمول قديم، أطلق هذا الهاتف الذكي جداً إحدى الفضائح القضائية التي هزت إسرائيل في وقتنا هذا، مهددة بتشويه صورة وزيرة العدل أيليت شكد، التي أثار بروزها السياسي الصاروخي توقعات عن إمكان ترشحها لمنصب رئيس الوزراء في المستقبل. يعود هذا الهاتف إلى المحامي إيفي نافيه، نقيب المحامين الإسرائيليين الواسع النفوذ، شكّل نافيه، لحين استقالته، حليفاً استراتيجياً لوزيرة العدل، فهو مَن ساعدها في قيادة الإصلاح المزدوج بتغيير عملية التعيينات القضائية وتعيين الكثير من القضاة المحافظين في المحاكم.انهار كل هذا في هوة مظلمة سحيقة مع الاشتباه بدعم نافيه تعيين قضاة مقابل خدمات جنسية، محولاً نقابة المحامين الإسرائيلية إلى حريم بيزنطي وملوثاَ نظام التعيينات القضائية الإسرائيلي المصون بعناية.بما أن شكد حليفته وصديقته العزيزة فمن الطبيعي أن تتحول إلى هدف بارز، فقد اتُّهمت بالتساهل مع انتهاكاته هذه خلال عهدها، وتجاهل سلوكه، ودعمه، والإخفاق في التنبه للإشارات التحذيرية حتى عندما ضُبط نافيه وهو يحاول تهريب صديقته من البلد وإليه، متفادياً ختم جواز سفرها في مطار بن غوريون.
تختار لجنة التعيينات القضائية، التي يرأسها وزير العدل، القضاة الإسرائيليين، وتضم هذه اللجنة تسعة أعضاء منهم مشرعان، ووزيران في الحكومة، وثلاثة من قضاة المحكمة العليا، وممثلان عن نقابة المحامين، فالمرشح يحتاج إلى غالبية سبعة أصوات للحصول على الموافقة، وقد أصبحت شكد وزيرة للعدل في شهر مايو عام 2015، وفاز نافيه بالتصويت ليصبح نقيب المحامين الإسرائيليين بعد شهر، وهكذا التقيا وأقاما تحالفاً بينهما، فعملت شكد ونافيه معاً على تقويض النظام القديم وتفكيك الائتلاف السابق القائم بين خمسة أعضاء في اللجنة، ثم وضعا نظاماً جديداً لتعيين مئات القضاة، كثيرون منهم من المحافظين، في محاولة لتبديل وجه الفرع القضائي من الحكومة والمحكمة العليا الإسرائيليين، وهكذا سجّلت شكد سلسلة من الإنجازات المذهلة لتصبح أول شخص يتبوأ هذا المنصب ويحقق تغييراً تاريخياً مماثلاً، لكنها ما كانت لتنجح من دون مساعدة نافيه، ونتيجة لذلك أصبحا صديقين متبادلين التهنئة أمام عدسات الكاميرا ووراءها.لكن المشاكل سرعان ما هزت جنتهما هذه، فبدأت الرياح المعاكسة مع معضلة نافيه حين حاول تهريب صديقته من البلد من دون علم شرطة الحدود، لكنه ضُبط ووُجهت إليه التهم في أواخر شهر ديسمبر، ورغم ذلك واصلت شكد دعمه، ووافق على مضض نافيه على تعليق عمله في النقابة لحين انتهاء الإجراءات القضائية الموجهة ضده، ولكن وقع بعد ذلك هاتفه القديم بيد هداس شتايف، مراسلة مخضرمة تغطي أخبار الشرطة في إذاعة الجيش الإسرائيلي،يخوض نافيه طلاقاً شرساً، فقد ترك هاتفه في مكان ما، ومن هناك كان الدرب إلى فضحه في الإعلام قصيراً. سلمت إذاعة الجيش الهاتف إلى الشرطة، ولا شك أن اختراقه يُعد عملاً مخالفاً للقانون، لكن، على ضوء المعلومات الحساسة التي يحتويها، وافق المدعي العام على اختراقه، وهكذا فُتح صندوق الويلات بصوت مدوٍّ.كانت الشرطة تستجوب نافيه في الأيام الأخيرة للاشتباه بتأييده تعيين قاضية بعدما أقام علاقة جنسية معها، ودعمه قاضياً حالياً مارس أيضاً الجنس مع زوجته، كذلك تحقق الشرطة في شبهات أخرى كثيرة ضده ترتبط بالترقيات والتعيينات، ويقول مصدر مطلع على محتوى هاتف نافيه إن ما يتضمنه يشير إلى انتهاكات إضافية كثيرة، قد لا تكون كلها مخالفة للقانون إلا أنها سيئة جداً من وجهة النظر الأخلاقية العامة والمعنوية.استقال نافيه عقب استجوابه من منصبه الواسع النفوذ في نقابة المحامين الإسرائيليين، وقد ركّز دفاعه على الادعاء أن طريقة الحصول على الأدلة المقدمة ضده لم تكن مشروعة، ولكن لا نعلم ما إذا كان هذا الدفاع سيصمد. وفي المقابل ما عاد نافيه المستهدف اليوم من وجهة النظر العامة، بل تحولت كل الأنظار حالياً إلى أيليت شكد، حيث تتعرض هذه السياسية الشابة التي تتمتع بشعبية كبيرة وشخصية بارزة للنار للمرة الأولى في مسيرتها المهنية،وقد أعلنت شكد أنها تحولت إلى هدف «لاعتداءات مخادعة، وغير نزيهة، ومليئة بالتحريض»، مضيفةً: «يبقى الهجوم المخيب للآمال حقا هجوم أعضاء الكنيست اليساريين النساء».تدّعي شكد أنها ظُلمت، وأن أناساً يحاولون توريطها في فضيحة شخص آخر، وألا دور لها على الإطلاق فيما فعله نافيه أو لم يفعله، وأن أشخاصاً يسعون إلى تحوير المسائل بغية إلحاق الأذى بمسيرتها السياسية.وزيرة العدل محقة في نقطة واحدة: يعتبرها اليسار السياسي خطراً كبيراً، إلا أنه ليس الوحيد، وقد أعربت الأوساط المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن نفورها من شكد واستبعدتها منذ توليها منصب مديرة مكتبه حين كان زعيم المعارضة في الكنيست بين عامَي 2006 و2008، ففي مقر رئيس الوزراء في القدس تُعتبر شكد وشريكها السياسي، وزير التعليم نفتالي بنت، الشر الأكبر، ويحول هذا دون تطور كان سيُعتبر خطوة طبيعية، بالانضمام إلى الليكود، ما دام نتنياهو على رأس هذا الحزب. قد يكون هذا أيضاً أحد الأسباب التي دفعت شكد وبنت إلى تأسيس حزب علماني-ديني جديد دعواه «اليمين الجديد»، فبهذه الطريقة يتحرران من أعباء مراسيم الحاخامات المتطرقين الذين يشكلون المرشدين الروحيين لحزبهما السابق، حزب البيت اليهودي القومي الديني، ويصبح بإمكانهما التقرب من الناخبين اليمينيين غير المتدينين وغير المتطرفين الذي سئموا نتنياهو.ولكن هبت هذه العاصفة فجأةً، ومن غير المرجح أن تزعزع هذه الفضيحة الدعم الذي تتمتع به شكد في قاعدتها السياسية، لا بل قد تقوي موقفها، غير أن شكد تسعى أيضاً إلى جذب مجموعة جديدة من الناخبين أكثر ميلاً إلى الوسط على الخريطة السياسية، علماً أن هذه المسألة قد تعرقل مسعاها هذا، فلا تُعتبر وزيرة العدل اليوم محور أي شبهات ولم تستدعِها الشرطة للاستجواب بموجب مذكرة. ورغم ذلك ستُستدعى على الأرجح لتدلي بشهادته بشأن نافيه، لكن السؤال الأكثر إلحاحاً اليوم: ماذا ستفعل الشرطة عندما تقع على رسائل نصية بين نافيه ووزيرة العدل؟ هل يُسمح للمسؤولين في الشرطة بتفحص هذه المراسلات؟ وإذا سُمح لهم ذلك، فإلامَ سيفضي؟ حتى اليوم لم تلوث أي شائبة صورة شكد كسياسية نزيهة، إلا أن الحفاظ على هذه الصورة النقية سيزداد صعوبة من اليوم فصاعداً.● بن كاسبيت- المونيتور