لا يُعد إعلان البيت الأبيض عقد قمة ثانية مع كيم يونغ أون في أواخر شهر فبراير مفاجئاً، فقد تجلت استعدادات كيم يونغ أون لقمة ثانية منذ أسابيع، رغم أن واشنطن تفتقر على ما يبدو إلى استراتيجية واضحة تجاه كوريا الشمالية، ولا شك أن "رسائل الحب" التي وجهها كيم إلى ترامب، من تخصيصه في خطاب رأس السنة الجديدة مقداراً غير معتاد من الوقت لمناقشة احتمالات تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة إلى لقائه شي جين بينغ في بكين في عيد ميلاده الخامس والثلاثين، تعكس أوراقه، وتمثل اليوم زيارة مسؤول الاستخبارات البارز كيم يونغ تشول إلى واشنطن الخطوة المتوقعة للكشف عن ذلك.

لكن مصدر القلق الأكبر المحيط بإعلان قمة ترامب-كيم الثانية يبقى أن ترامب لم يعمل مثل كيم على اتخاذ الخطوات التحضيرية الضرورية لتقوية موقفه قبل اللقاء الثاني، ففي حين حرص كيم على التشاور مع تشي كي يعكس بوضوح مدى عمق كوريا الشمالية الاسترتيجي، أصر ترامب على طلبه المثير للجدل أن تزيد كوريا الجنوبية بشكل كبير معدل دعمها للقوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية، كذلك ما زالت المرارة بين اليابان وكوريا الجنوبية تعتمل بشأن إرثهما التاريخي.

Ad

من الناحية التاريخية، شكّل التحالف مع كوريا الجنوبية والتنسيق القوي بين أعضاء الائتلاف الثلاثي الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية الركيزة التي دعمت الموقف الأميركي من كوريا الشمالية، لذلك ينبغي لترامب أن ينظّم شؤونه بغية تقوية موقفه استعداداً للقائه الثاني مع كيم يونغ أون، وذلك كما نأمل زيارته لطوكيو وسيول بهدف تعزيز تحالف الولايات المتحدة، واليابان، وجمهورية كوريا الجنوبية قبل موعده المرتقب مع كيم في جنوب شرق آسيا.

من السهل أن نفهم لمَ يميل كيم يونغ أون إلى التركيز على المفاوضات مع ترامب. ولا شك أن حدس ترامب عن ضرورة لقاء صانع القرار بغية التوصل إلى صفقة في محله، لكن التقدّم المرئي حتى اليوم لا يبرر، على ما يبدو، قرار ترامب القبول بقمة ثانية.

بعدما أخفق ترامب في عقد صفقة مع كيم في سنغافورة، لم يقدّم حتى اليوم أي أدلة تُظهر لمَ سيفضي لقاؤهما الثاني إلى نتيجة مختلفة، فلن تؤدي علاقة ود عامة بين ترامب وكيم إلى تبديل مسار العلاقة الأميركية-الكورية الشمالية من دون تقدمة مؤسساتية كبيرة وتعاون بين بيروقراطيتي كلا الطرفين.

نتيجة لذلك، تبقى بارقة الأمل الوحيدة في حالة الجمود الراهنة في الحوار بين البلدين أن زيارة كيم يونغ تشول، التي كان مخططاً لها في شهر نوفمبر الماضي وأرجأتها كوريا الشمالية وسط احتجاجات عن أن قمة سنغافورة لم تكن على قدر توقعات كيم بشأن التخفيف من التوتر وخفض العقوبات، نُفذت أخيراً.

ربما أدرك كيم يونغ أون أن السبيل إلى المضي قدماً مع الولايات المتحدة يشمل خيار التضحية بجزء من ترسانته النووية والصاروخية بغية تحقيق أهدافه الاقتصادية، كذلك من الممكن أنه يخطط بدلاً من ذلك لمناورة أخرى هدفها التلاعب بترامب وحمله على القبول بكوريا الشمالية كدولة نووية، مع تقديم كيم ضمانات على توجيه ترسانته النووية في اتجاه آخر.

فتحت زيارة كيم يونغ تشول أخيراً الدرب أمام مفاوضات على المستوى العملي في السويد بين الممثل الأميركي الخاص بيغون ونائبة وزير الخارجية الكوري الشمالي تشوي. تشمل نقاط الانطلاق المحتملة لهذه المفاوضات متابعة التقدم بين الكوريتين بدءاً من إعلان بيونغ يانغ في شهر سبتمبر الماضي، وفي هذا الإعلان تعهدت كوريا الشمالية بالقبول بتفتيش دولي لمنشآتها النووية والصاروخية في يونغبيون وتونغ تشيانغ-ري مقابل تدابير مماثلة من الولايات المتحدة. يسمح هذا النوع من المقايضة للطرفين بالقيام بالخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح، حتى لو عنى ذلك إرجاء السؤال: ما السبيل إلى تحقيق "نزع الأسلحة الكامل"؟

في مطلع شهر ديسمبر عام 2018، أعلن مستشار الأمن القومي جون بولتون على نحو لافت للنظر أن الرئيس ترامب يعتقد أن قمة ثانية ستؤدي على الأرجح إلى نتائج مثمرة رغم إخفاق كوريا الشمالية في البداية في الوفاء بالتزاماتها، كذلك تشير الحجج الداعمة للمضي قدماً في عقد القمم بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إلى أن توقعات تحقيق تقدّم ملحوظ يُفترض أن تزداد مع كل لقاء إضافي بين ترامب وكيم. ولكن من دون أي أدلة على عقد صفقة أو مقايضة سيتفاقم خطر أن تقود قمة ثانية إلى صفقة سيئة أو فشل كامل في التوصل إلى صفقة.

* مجلس العلاقات الخارجية