الموازنة الجديدة استنسخت كل خطايا الماضي
• قراءة الأرقام تدل على فشل سياسات الإصلاح والنكوص عنها
• الوطن غارق في التناقضات ولا نعرف مَنْ نصدق
ذكر «الشال» أن الحكومة تقدم مشروعاً يزيد مخاطر المالية العامة إلى حدود غير محتملة، وذلك يطلب السماح لها برفع سقف الاقتراض إلى 25 مليار دينار، والسقف الزمني إلى 30 سنة، وهو مشروع كارثي، إن استخدم في تمويل أنماط الإنفاق الحالية.
تناول تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي مشروع الميزانية العامة، إذ قال إن السنة المالية 2019/2020 هي خامس سنة مالية منذ الهبوط الحاد في أسعار النفط في خريف عام 2014، ومع صدور مشروعها في 21 يناير 2019، بلغ معدل سعر برميل النفط الكويتي للأسابيع الثلاثة من العام الجديد نحو 57.4 دولارا، هبوطاً من مستوى 68.7 دولارا لمعدل سعر برميل النفط الكويتي للسنة الميلادية 2018، وتبذل محاولة حالياً لخفض الإنتاج من أجل دعم الأسعار.وقال التقرير، إن قراءة أرقام مشروع الموازنة لا يعطي فقط دليلا قاطعا على فشل سياسات الإصلاح المالي ومعها الاقتصادي، بل يعطي دليلا قاطعا على النكوص عنها والسير في اتجاه معاكس لها. وذكر أن المشروع يبدأ بتقدير لجانب الإيرادات في المشروع، عند 16.4 مليار دينار، ضمنه إيرادات نفطية بنحو 14.5 مليار دينار، عند مستوى تقديري لمعدل أسعار النفط بحدود 55 دولارا للبرميل، ومعدل إنتاج بحدود 2.8 مليون برميل يومياً أو 2.724 مليون برميل يومياً وفقاً لحصتها المخفضة في «أوبك».
ذلك يعني أن واقع سوق النفط الضعيف مأخوذ في الاعتبار عند وضع التقديرات، وأن سقف الإيرادات المقدر يفترض أن يكون الأساس في تبني أهداف السياسة المالية لو كان هناك أي نية للإصلاح، أو حتى نية أقل تواضع، وهي إبطاء وتيرة استنزاف المالية العامة، ومن الواضح أن أياً منهما لم يكن في الحسبان. ففي جانب النفقات، تم استنساخ كل خطايا الماضي، وكأن سوق النفط مازال كما كان في عام 2013، فالنفقات العامة بالمطلق زادت بمليار دينار أو بنسبة 4.7 في المئة، والإنفاق الجاري وغير المستدام مازال يتزايد بالمطلق ويحتفظ بمساهمته النسبية المرتفعة جداً وغير المستدامة.ورغم أن سقف الإنفاق الأعلى وفقاً لقــرارات مجلــس الـوزراء لا يفتـرض أن يتجـاوز 20 مليار دينار، وقيل ان تجاوزه في السنة المالية 2018/2019 إلى حدود 21.5 مليار دينار كان لظرف استثنائي- وما أكثر الاستثناءات- لمواجهة أزمة تضخم العُهد، إلا أنه بلغ في مشروع السنة المالية المقبلة 22.5 مليار دينار. وفي التوزيع النوعي، يصرف نحو 71 في المئة في الموازنة العامة على الرواتب والدعوم، و17 في المئة للمشروعات الإنشائية، وهي مصروفات لا علاقة لها بأهداف التنمية وأهمها خلق فرص عمل مواطنة مستدامة، و12 في المئة لكل ما تبقى. والحصيلة هبوط مستويات التعليم وتردي الخدمات الصحية، وفساد البنى التحتية، تكلفة ومستوى، واستشراء الفساد والهدر، أي ضخامة مصروفات غير مستدامة، وعجزها وربما معاكستها مع تحقيق أي أهداف تنموية. يحدث ذلك، رغم أن مشروع الموازنة يحدد سعر التعادل لها بنحو 75 دولارا من دون اقتطاع نسبة الـ 10 في المئة من الإيرادات لاحتياطي الأجيال القادمة، ترتفع إلى 80 دولارا إذا لم تقتطع تلك النسبة. بمعنى آخر، تقول الحكومة إن وضع المالية العامة صعب وغير مستدام، وتلك خلاصة في غاية الخطورة ومسؤوليتها السياسية عظيمة، وتقدم نسخة لمشروع موازنة أسوأ من نسخة السنة المالية السابقة لها. وتقدم نفس الحكومة مشروعاً يزيد مخاطر المالية العامة إلى حدود غير محتملة، وذلك يطلب السماح لها برفع سقف الاقتراض إلى 25 مليار دينار، والسقف الزمني إلى 30 سنة، وهو مشروع كارثي إن استخدم في تمويل أنماط الإنفاق الحالية. والمشكلة، أن الوطن غارق في التناقضات، فلمجلس الوزراء سقف أعلى معلن للنفقات العامة، ولديه مشروع يتجاوزه، ولدى المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية مشروع إصلاح يشارك فيه أهم الوزراء، ولمجلس الوزراء مشروع موازنة نقيض، وللقطاع النفطي مشروع لمزيد من الاعتماد على النفط، ولمجلس الوزراء مشروع للفكاك التدريجي من الاعتماد على النفط، ولا نعرف مَنْ نصدق.
اقتراض الدولة سيقوض وضعها المالي سريعاً
قال تقرير «الشال» إن تقارير التصنيف الائتماني نافعة إذا حقق أي بلد فيها درجات مرتفعة، لكنها موجهة بالدرجة الأولى إلى جمهورها، وهم المتعاملون الأجانب مع الدولة المعنية، على وجه الخصوص المقرضون المحتملون لها أو لمؤسساتها، وهي قطعاً ليست تقارير اقتصادية ولا يفترض الاعتداد كثيراً بها من المنظور الاقتصادي.وتقرير وكالة «ستاندرد آند بورز» في 18 يناير 2019 حول التصنيف الائتماني السيادي للكويت، AA مع نظرة مستقبلية مستقرة، لا يخرج عن المنظور المذكور، فهو ينسب أهم مبررات ذلك التصنيف إلى حجم الأصول السيادية، ويضيف، بأن تلك الأصول الضخمة تضمن ما يكفي من مصدات، أي أمان، للمتعاملين مع الكويت على المدى المتوسط. وعند إخضاع التصنيف لبعده الاقتصادي، تقر وكالة «ستنادرد أند بورز» بفشل السياسة الاقتصادية عند إشارتها إلى استمرار شدة التركيز وثبات استمرار اعتماد الكويت بنسبة 55 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على النفط رغم انخفاض أسعاره، واعتمادها عليه بنسبة 90 في المئة في صادراتها، وبنسبة 90 في المئة من إيراداتها العامة، مع ضعف مؤسساتي مقارنة مع أقرانها خارج الإقليم. ويؤكد التقرير أنه نتيجة لشدة اعتماد ومن ثم حساسية الاقتصاد الكويتي لمتغيرات سوق النفط، فالوكالة قامت بتخفيض توقعاتها لنمو الاقتصاد في عام 2019 من 3.2 في المئة في تقريرها السابق إلى 1 في المئة فقط في تقريرها الحالي بسبب احتمالات خفض الكويت لإنتاجها النفطي بنحو 85 ألف برميل من أجل دعم أسعاره التزاماً بقرارات «أوبك». ورغم أن الوكالة تقدر حجم المصدات المالية للكويت بنحو 400 في المئة حجم ناتجها المحلي الإجمالي، لكنها ترجح ارتفاع عجز الموازنة حالياً من 6.5 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، إلى نحو 19.5 في المئة منه بعد اقتطاع نصيب احتياطي الأجيال القادمة ومن دون احتساب دخل الاستثمارات ضمن الإيرادات العامة، وهو ما يتفق مع تقديرات وزارة المالية حول ارتفاع سعر التعادل لمشروع الموازنة القادمة من دون احتسابهما. وعليه، تتوقع الوكالة ارتفاع حجم الدين العام من نحو 20 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017 إلى نحو 50 في المئة في عام 2022. بينما يقدر التقرير الاقتصادي الشهري - ديسمبر 2018- لوزير المالية، انخفاض مستوى الدين بسبب متطلبات سداده من دون إقرار قانون إقتراض جديد. ويبقى تقرير الوكالة بتصنيفه المرتفع أمر طيب لأنه يخفض تكلفة الاقتراض السيادي والخاص عند الحاجة للاقتراض، وفي حين القطاع الخاص يحسن استخدام حصيلة قروضه في الغالب الأعم، تكمن المشكلة في قروض القطاع العام، ومشروع الموازنة العامة 2019/2020 بحجم ونمط إنفاقها، دليل قاطع على خطورة التسامح مع اقتراض القطاع العام، فإلى جانب عدم جدواه الاقتصادية، سيؤدي إلى تقويض سريع لوضع الدولة المالي.