ميزانية سياسية... وليست فنية!
عاد الموسم السنوي للحديث والتعليق على الميزانية العامة للدولة، التي تُعرض كل عام في نفس الوقت تقريباً، ليبشرنا وزير المالية د. نايف الحجرف، بوجود عجز قدره 7.7 مليارات دينار، أي ما يقارب 21 مليار دولار، وهو بالتأكيد رقم كبير بالنسبة لدولة بحجم الكويت، ومريب ويثير التساؤلات حول إمكانية أن يكون لدولة مثل هذا العجز الفادح وتحصل على تقديرات رفيعة وممتازة من مؤسسات ومراكز التصنيف المالي العالمية!لا يراودني شك أن ميزانية الكويت، منذ بداية حقبة الفوائض وارتفاع أسعار النفط في عام 1999، يتم إعدادها بنفَس سياسي لمواجهة المطالب الشعبية والمساءلات السياسية والنيابية حول إدارة الفوائض المالية الضخمة والهدر الحكومي، لأنه لا يمكن لبلد لديه عجز بـ 21 مليار دولار أن يتصرَّف بهذا الكرم في العطايا الخارجية، ويبادر إلى تقديم منح وقروض ميسَّرة لصناديق ومؤسسات دولية بهذا الحجم، كما أن جهد الدولة لمكافحة الهدر والفساد لا يتناسب أبداً مع تقديرات العجز الضخمة قي ميزانية البلد.
المطلعون على الأمور والأرقام الحقيقية، ومنهم النائب رياض العدساني، يكذبون أرقام ميزانية الدولة، ويرون أنها غير دقيقة، وهناك أوساط أخرى اقتصادية وشعبية تطالب منذ سنوات بأن تتضمَّن ميزانية الدولة التقديرات الخاصة من الاستثمارات الخارجية الموجودة لدى جميع المؤسسات الحكومية، حتى تكون هناك ميزانية عامة حقيقية وشفافة يمكن مراقبتها والتحقق من كفاءة القائمين عليها، وخاصة أن المعلومات عن تلك الاستثمارات يتم تداولها في المراجع الاستثمارية والاقتصادية العالمية.بالتأكيد، إن نجاح أي خطة تنموية ونقلة اقتصادية مؤثرة وكبيرة، كما يُخطط لـ"كويت 2035"، تتطلب عملاً شعبياً وحكومياً مشتركاً مبنياً على الثقة والإيمان بالأهداف المرجوة، لكن عندما لا يثق المواطن بمصداقية موازنة بلاده وحجم دخلها الحقيقي، فإنه لن يكون مساهماً فاعلاً في أي نهج تنموي. لذا نتطلع إلى اليوم الذي يسعى فيه النواب وتوافق عليه الحكومة بإقرار قانون جديد لإعداد الموازنة العامة للدولة يشمل تفصيلاً لدخلها الشامل من جميع مواردها، وشرحاً فنياً لأهداف الموازنة فيما يخص التنمية، وتبياناً لمصروفاتها، وخاصة بند الرواتب، وما يتضمنه من مكافآت وأجور لكبار الموظفين، وعند ذلك يمكن أن يكون لدينا ميزانية فنية وليست سياسية.