قراءة الرواية وكتابة الذات
"قراءة الرواية وكتابة الذات"، دراسات في تجريب الرواية العربية للناقد المغربي محمد معتصم من النقاد الباحثين الجادين في عملهم، وهذه صفة ربما يختص بها النقاد المغاربة بالذات، حيث النقد عندهم متطور جدا، ولديهم روح باحثة منقبة مهتمة بتحليل النصوص واستخلاص مفاهيم نقدية حديثة تتواكب مع حداثة النصوص ومستولدة منها، وليس مركّبة عليها بالإجبار، بل يتساوى إبداعها مع إبداع النص وربما تتفوق عليه.محمد معتصم له كتب نقدية متميزة عديدة، كلها تبحث بجدية وجدة بالسرد الروائي العربي منذ أول إصدار له 1995. 1- الشخصية والقول والحكي./ 2- الرؤية الفجائعية 2003. / 3- المرأة والسرد 2004. / 4- الصيغ والمقومات في الخطاب الروائي العربي./ 5- الرؤية الفجائعية: الرواية العربية في نهاية القرن 2004./ 6 - الذاكرة القصوى 2006.7- بناء الحكاية والشخصية في الخطاب الروائي النسائي 2007./ 8- خطاب الذات في الأدب العربي 2007/ 9- بنية السرد العربي 2010.
10- بلاغة القصة القصيرة 2010. / 11- الخيبة المبهجة 2013./ 12- المتخيل المختلف 2014/ 13- المتخيل المختلف 2014. 14- مكون الشخصية الروائية 2014./ التداعي والمفارقة والتهكم 2014./ قراءة الرواية وكتابة الذات 2015/ 15- نحو المحكيات السردية 2017.كتابات عميقة جادة لبحوث مختلفة ومتعددة تعكس شخصيته الدءوبة العاملة بصمت مقدس لرسالة الكشف والمعرفة التي تخدم وتضيف الكثير لتنوير وفتح آفاق جديدة معرفية لنقد السرد الروائي العربي، دون مباهاة أو مزايدات لمحاولات الظهور والترويج لنجومية الانتشار الإعلامي. من هذه الكتب النقدية المتعددة والمتنوعة اخترت مقتطفات من كتابه "قراءة الرواية وكتابة الذات"، وهو غالبا ما أشعر به حينما أكتب الرواية، ويفسر ذلك: "ولعل السر يكمن بمفهومي الذاتية والتخييل، لأنهما يحملان عناصر إنسانية مشتركة، ولا تحدها حدود ضيقة مرتبطة بالنوع أو الثقافة أو العقيدة، فالذاتية أينما وجدت تكون قريبة جدا من نفسها، وتقرب الحدود بين الكاتب والقارئ، فالكاتب يكتب تجربته وينقل خبرته إلى اللغة وفي النص، والقارئ يقرأ ذاته في تجربة الكاتب وبالخطاب الذي أبدعه وتخيله".ومن أجمل الفصول ما كتبه عن الرؤية النقدية للناقد المغربي الكبير عبدالفتاح كليطو، إذ يقول "إن الكتابة تعني القراءة والتحليل واللعب والتفسير والتأويل وإعادة الكتابة في صيغ وأساليب جديدة"، وهذا أجمل تفسير ومفهوم للكتابة.ويقول: "لكي يكون النص مغريا بالقراءة ينبغي أن يتميز بالغموض وبالغرابة تماما، كالنصوص الكلاسيكية المعترف بقيمتها الفنية والجمالية وبحجة أصحابها، سواء بفعل التقادم بالزمن أو بفعل الأسلوب الذي كتبت به تلك النصوص".ويرى كليطو أن الناقد الأدبي يجد نفسه أكثر حرية عندما يقرأ النصوص المعاصرة التي لم يُعترف بها رسميا في الأوساط الأدبية والجامعات والمدارس، أي لم ترتق إلى النصوص الكلاسيكية المعترف بها، بهذه الحالة يمنحها الناقد: "صك العبور نحو النصية والاعتراف بها كنصوص، عندما يقوم بشرحها وتفسيرها وتحليلها والحكم عليها وتذوقها (قراءة تذوق)، ثم يقترح ويجرب عليها مناهج ونظريات ومفاهيم إجرائية عكس الباحث المقيد بحدود "النص" التاريخية والأسلوبية".ويرى محمد معتصم أن التفسير الأدبي ليس إلا محاولة اقتراب من المعنى المتجلي، لكنه ليس الوحيد والنهائي، وهو ما بيّنه بمفهوم التأويل: "فإذا كان المؤول ينطلق من موقع البحث عن الحقيقة الموجودة في النص والمتخفية بفعل اللغة، لأن اللغة الوسيط والأداة والوسيلة التي ينقل بها محتوى القول المقدس ليست مقدسة، وهي حمّالة أوجه، وبالتالي فهي المسؤولة عن اللبس والغموض والغرابة إذا وجدوا، أما التفسير فقد يكون المفسر معنيّا أساسا بتعدد المعنى، أو بتعمية المعنى، والبحث عن التعدد والاختلاف".ولعل تعمية المعنى تحمي الكاتب من شرور كثيرة حين يحتمل النص أبعادا تأويلية مختلفة لا تصيد المعنى بشكل واضح بيّن، وكتاباتي الشعرية ينطبق عليها تماما تعمية المعنى بتعدد مستويات تأويلها.ومن الواضح أنه يلتبس على الدارسين مفهوم التأويل: "ومفهوم التفسير، ويستعملان كمرادفين لبعضهما، بينما الفرق بيّن بينهما، فالتفسير يتعلق بظاهر النص ولا يبحث عن الحقيقة والجوهر والسر الدفين للنص الأخير، كما هي حال التأويل، بل يقترب من النص متوسلا بكل المناهج والأدوات الممكنة لجعل النص منفتحا على آفاق متعددة، وهو أقرب إلى مفهوم القراءة النقدية اليوم الموسومة بالتعدد، أما التأويل فيرتبط بجوهر النص ومعناه الأصيل والوحيد، ويرتبط أساسا بمقصدية الكاتب".