هوية معمرة وهوية مدمرة
![د. عبدالحميد الأنصاري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928789945225900/1555928807000/1280x960.jpg)
يتساءل متعجباً: ما معنى أن تجد منتديات للقبائل وفروعها، وفيها من التاريخ الشفهي ما يفوق تاريخ الدول ذاتها في عصر المواطنة؟! ما معنى أن يبحث الجميع عن سند واسم تاريخي يستند إليه، وشجرة للعائلة ينتسب إليها؟! علينا التحرر من أسر الهويات الضيقة التي تفرقنا إلى رحابة الهوية الوطنية التي تجمعنا، الانتماء الطبيعي للعائلة والقبيلة والطائفة صحي، لكن الانتماء الأعلى للرابط الجامع، لا خوف على الهوية من الغزو الثقافي بل من صعود الهويات الأدنى على حساب دولة المواطنة، مفهوماً وولاء، وهذا ما أصاب النظام العربي، والخليجي أيضاً، بالتصدع، تحصين الدولة والهوية يكون باستشعار المواطن بمواطنته. الثاني: هم المجتمع الاستهلاكي: ينعى على مجتمعه "التضخم الاجتماعي السلبي" انغماسه في الاستهلاك الترفي، حفلات الأعراس المكلفة والمزايدة فيها، ويضيف: حتى نشاطات التراث الموسمية كل عام: القلايل، سنيار، الحبال، الهدد وغيرها، أصبحت تمثل قيماً استهلاكية، وكانت في الماضي، قيماً إنتاجية، وارتباطها بالجوائز الكبيرة دليل على انتقالها إلى هذا الحيّز الاستهلاكي، عاش آباؤنا وأجدادنا منتجين، وكل ما تركوه لنا من نشاط تراثي كان محملا بقيم الإنتاج، في حين مجتمعنا الذي نعايشه اليوم أصبح "ريعياً-رعوياً"، يهمني جداً أن يعي المواطنون أننا اليوم نمر بمرحلة مجتمع الاستهلاك بعد أن عاش آباؤنا وأجدادنا مرحلة الإنتاج، حيث كانوا يعتمدون على البحر والتجارة والزراعة والرعي.ختاماً: الهوية هويتان: 1- هوية وطنية معمرة للأوطان، تحفز شبابنا إلى استفراغ طاقاتهم في ميادين الإبداع والاكتشاف والاختراع والهوايات النافعة، وتدفعهم للبناء والتنمية والإعمار، وتعزز مشاعر الانتماء والإخلاص والتفاني في خدمة الوطن، وتعزيز التعاون والمحبة والتسامح وقبول الآخر بين أفراد المجتمع، مواطنين ومقيمين، كما تعمل على ترسيخ قيم المواطنة باعتبارها الانتماء الأسمى الذي يعلو كل الانتماءات الأخرى، علينا إعلاء "الهوية الوطنية أولاً" والعمل على ترجمتها في إجراءات عملية يحسها المواطن على أرض الواقع، وسياسات تتيح فرصاً متكافئة لجميع الأطياف المجتمعية.2- وهوية عدوانية مدمرة، تنمي الجانب الغرائزي في الشباب، وتدفعهم للتعصب القبلي أو الطائفي أو القومي الضيق أو التطرف، وتغذي مشاعر الكراهية والاستعلاء والإقصاء في المجتمع، وتدفع شبابنا إلى التسابق في ميادين الإضرار بأنفسهم، والتسبب في موتهم، والتباهي بمظاهر البذخ والاستهلاك والولع باقتناء أثمن الأشياء والماركات والموديلات، وغيرها من المسلكيات السلبية لدى قطاع من شبابنا من الجنسين. كان من نتائج هذه الهوية، تعميق الازدواج في الشخصية الفردية والجماعية العربية، وفِي زيادة تعصب المواطن لقبيلته وعشيرته وطائفته، وفِي المزيد من التوتر الطائفي والنزاعات المفرِّقة كما هو حاصل اليوم على امتداد الساحة العربية.* كاتب قطري