لماذا؟
لمَ حولتم طبقة متعلمة فاعلة منتجة مضيفة للمجتمع الى طبقة أمية راكدة معوزة معزولة باتت عبئاً لا إضافة؟ لمَ خلقتم المشكلة الإنسانية لتعودوا فتشتكوا ثقلها وتكاليفها؟ لقد كان البدون كافين أنفسهم اقتصادياً، متعايشين اجتماعياً، مضيفين عسكرياً ومادياً ومعنوياً للدولة، لمَ حطمتموهم وقطعتم أوصال حيواتهم وهبطتم بهم إلى هذه الدرجة من المعاناة؟
![د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب](https://www.aljarida.com/uploads/authors/991_1667658654.jpg)
المعضلة الأكبر أن هذه السياسة ليست ظالمة للبدون ومنافية للمبادئ الإنسانية وغير ناجعة من حيث تفعيل الحلول فقط، لكنها كذلك مضرة بشكل صارخ بالمجتمع الكويتي بحد ذاته. الكثير من العمل في قضية البدون يُدفع دفعاً للجانب الخيري، حيث لا يمكن التركيز على الجانب الحقوقي والعملي لقضية ما في وجود أسر كاملة في هذه القضية تعيش تحت خط الفقر وفي ظروف مزرية، تنام جائعة ويحرم أطفالها من التعليم وتكاد أسقفها الصفيح تقع فوق رؤوسها. لقد كلفت السياسة الحكومية تجاه البدون الدولة والميزانية تكاليف مادية باهظة واستحوذت على جهود ووقت كان يمكن أن تصرف كلها في اتجاه تطوير الدولة والدفع بتقدمها عوضاً عن تكريسها للتعامل مع طبقة معدمة ما كان يجب أن تكون كذلك، هذه الطبقة التي كان أبناؤها سابقاً يحوزون تعليما عالياً، يخدمون الدولة في شتى المناحي وخصوصاً المواقع الحساسة منها مثل الجيش والشرطة، يعيشون حياة مستورة كريمة، قادرين على تحمل مسؤوليات أنفسهم وصيانة أبنائهم وحماية كراماتهم الإنسانية. ما حدث هو أن الخطة الحكومية دهورت حيواتهم، هبطت بهم الى مستويات الفقر ودونها، شردت أبناءهم في الشوارع بلا تعليم ورفعت نسبة الأمراض بينهم، ودهورت أوضاعهم النفسية الى حدود لا يمكن تصورها. انقلب هؤلاء في يوم وليلة من إضافة عظيمة ومدخر لدولة محدودة العدد، إلى عبء اقتصادي ومشكلة اجتماعية وسياسية عميقة، وحمل يثقل كاهل الدولة داخلياً من حيث ميزانيتها وجهود ووقت إداراتها وخارجياً من حيث سمعتها وترتيبها الحقوقي والإنساني.ترى لمَ فعلتم ذلك؟ لمَ حولتم طبقة متعلمة فاعلة منتجة مضيفة للمجتمع الى طبقة أمية راكدة معوزة معزولة باتت عبئاً لا إضافة؟ لمَ خلقتم المشكلة الإنسانية لتعودوا فتشتكوا ثقلها وتكاليفها؟ لقد كان البدون كافين أنفسهم اقتصادياً، متعايشين اجتماعياً، مضيفين عسكرياً ومادياً ومعنوياً للدولة، لمَ حطمتموهم وقطعتم أوصال حيواتهم وهبطتم بهم إلى هذه الدرجة من المعاناة، لتعودوا فتنشئوا صندوقا تعليميا يكلف الدولة الملايين، وليتحمل بيت الزكاة تكاليف الكثير من هذه الأسر المعوزة ودون أن يسد حتى أقل القليل من احتياجاتها الأساسية ولتتحمل المبرات والوقف وغيرها من الجهات مسؤولية حالات عوز ما كان يجب أن تكون؟ لمَ تستمرون في سياسات تُحطم مقدرات الدولة بالدرجة الأولى وتخلق فيها طبقة فقيرة من كل جانب: اقتصادياً، تعليمياً، اجتماعياً، نفسياً وصحياً؟ لمَ تصرون على منهج يكلفنا الكثير داخلياً ويشوه صورتنا الجميلة خارجياً؟ أي نتاج لهذه السياسة غير خلق طبقة معدمة تعيش في بيوت من صفيح لم يسبق لمثيلها أن تكون في الكويت أبداً؟ لأي سبب كل ذلك؟
سياسة الحكومة مع البدون ليست ظالمة لهم من حيث تفعيل الحلول فقط بل مضرة بشكل صارخ بالمجتمع الكويتي بحد ذاته