برز ملف حقوق الإنسان على سطح المباحثات بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي فتح ملف إلقاء القبض على عشرات المعارضين من جانب السلطات المصرية، الأمر الذي أثر على جو المؤتمر الصحافي المشترك بينهما في القاهرة أمس، إذ بدا أن السيسي اتخذ موقف المدافع عن نهج الحكومة المصرية في مواجهة الانتقادات الفرنسية، ومن خلفها الانتقادات الدولية.

وأجرى السيسي لنظيره الفرنسي مراسم استقبال رسمية في قصر الاتحادية الرئاسي، أمس، حيث أطلقت المدفعية 21 طلقة تحية لضيف مصر، ثم عزفت موسيقى السلام الوطني للبلدين، وبدأت بعدها جلسة مباحثات ثنائية، وشهد الرئيسان توقيع عدة اتفاقيات ومذكرات لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، ثم أعقبها مؤتمر مشترك بين الرئيسين.

Ad

حفاوة الاستقبال المصري لم تكن كافية لتبديد نية ماكرون التركيز على أوضاع المجتمع المدني، إذ بدا أن الملف الحقوقي لمصر كان أحد منغصات القمة، فظهر بوضوح التوتر بين الطرفين خلال المؤتمر، إذ قال ماكرون، الذي استخدم لهجة أكثر حدة من تلك التي استخدمها في لقائه مع السيسي في 2017، إنه أبلغ الرئيس المصري بأنه لا يمكن فصل الاستقرار والأمن عن حقوق الإنسان في مصر، وأن صورة القاهرة قد تتضرر بسبب أوضاع حقوق الإنسان.

وحول استخدام المعدات العسكرية الفرنسية المبيعة لمصر في قمع المتظاهرين، قال ماكرون إن من بين 200 حالة لمواجهة التظاهرات منذ 2013، تم استخدام مدرعة فرنسية واحدة فيها، وتم توجيه استفسار للحكومة المصرية عن هذه الحالة، مشدداً على استمرار التعاون الفرنسي المصري العسكري، ضاربا المثل بسريان اتفاقية تسليم مقاتلات الرافال.

ولفت إلى أن هناك مفكرين وضعوا في السجون، مؤكدا أنه تحدث مع السيسي عن عدد من الحالات الفردية لبعض المعتقلين. ونفى ماكرون إجراء أي محادثات بشأن عقود عسكرية، خلال اجتماعه مع السيسي، وقال إن صفقة مقاتلات ستناقش خلال الأشهر المقبلة.

الرئيس السيسي الذي بدا منفعلا في بعض ردوده على أسئلة صحافيين فرنسيين، خلال المؤتمر، قال إنه "لا يجب اختزال حقوق الإنسان في المدونين، فمصر لا تقوم بالمدونين، وإنما تقوم بالعمل والجهد والمثابرة من جانب أبنائها". وشدد على أن مصر لديها خصوصية، في منطقة مضطربة تجعلها مختلفة عن الأوضاع في أوروبا، لافتا إلى أنه يقود البلاد في ظروف صعبة، فهناك "مليون شاب بيتخرجوا كل سنة عاوزين وظائف، أنا مستعد أسمع منك النصائح بس قولوا لي أعمل إيه؟ وأحل المشاكل دي إزاي".

ودافع السيسي عن شرعية نظامه قائلا: "أنا واقف هنا بإرادة مصرية، وإذا غابت، أو الإدارة مش موجودة أتخلى عن موقعي فورا، ولا أقبل أن يكون الرأي العام في مصر يرفض وجودي واستمر". ولفت إلى أن حقوق الإنسان لا تتجزأ ولا يجب قصرها في مصر على حرية الرأي، مركزا حديثه على معالجة مصابي فيروس سي الكبدي وبناء مساكن لـ100 ألف من سكان المناطق العشوائية، في ظل "المصاعب الاقتصادية" التي تواجه مصر وسكانها البالغ عددهم 100 مليون نسمة.

نية وتوافق

وكان واضحا نية ماكرون الحديث عن أوضاع حقوق الإنسان مع نظيره المصري، إذ نقلت وكالة "رويترز" عن ماكرون قوله لمجموعة من الصحافيين، أمس الأول، إنه يعتقد أن حقوق الإنسان في مصر ينظر إليها بشكل متزايد على أنها في وضع أسوأ مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، الذي أطاحته ثورة 25 يناير 2011.

وقال ماكرون: "أعتقد أن المثقفين والمجتمع المدني يعتبرون السياسات الحالية أشد صرامة منها في عهد مبارك"، وتابع: "لا يمكنني أن أفهم كيف يمكنك التظاهر بضمان الاستقرار على المدى الطويل في هذا البلد، الذي كان في لب انتفاضات الربيع العربي وتذوق طعم الحرية، وتتصور أن بإمكانك الاستمرار في التشديد بما يتجاوز المقبول أو المبرر لأسباب أمنية. أعتقد أن ذلك أمر متناقض ويضر مصر نفسها".

ورغم التوتر في الملف الحقوقي، فإن التفاهم كان واضحا بين الرئيسين في الملفات الإقليمية، خصوصا في الملف الليبي، إذ قال ماكرون إن باريس تنسق مع القاهرة من أجل مكافحة الإرهاب وإنجاح المصالحة الوطنية في ليبيا، وهو نفس الموقف من الشأن السوري ومواجهة الإرهاب في مصر ومكافحة الهجرة غير الشرعية.

وتلقت القاهرة دعما من ماكرون فيما يخص الملف الاقتصادي، إذ أيد الرئيس الفرنسي الإجراءات المصرية لدعم مناخ الاستثمار، داعيا الشركات الفرنسية لزيادة استثماراتها في القاهرة، وشدد على أنه لا يعطي دروسا للمصريين، ويحترم التحديات الأمنية التي تواجهها الدولة المصرية، ويساند الخطوات التي اتخذتها الحكومة لضمان الاستقرار.

استثمارات فرنسية

وشهد الرئيسان اجتماع منتدى رجال الأعمال المصري الفرنسي، والذي استعرض سبل توسيع التعاون الاقتصادي بين الجانبين وزيادة الاستثمارات وأنشطة الشركات الفرنسية في مصر، ويلتقي الرئيس الفرنسي الذي تنتهي زيارته لمصر اليوم بممثلي أعضاء المجتمع المدني والإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب، وبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني، كما يزور بعض المناطق الأثرية.

وكان ماكرون وصل إلى مدينة أسوان، أمس الأول، حيث استقبله رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي.

تدريب عسكري

وفي غضون ذلك، اختتمت فعاليات التدريب البحري الجوي المشترك "حمد 3"، أمس، والذي استمر لعدة أيام بمملكة البحرين، ومشاركة عناصر القوات البحرية والجوية المصرية - البحرينية، واشتمل التدريب على تنفيذ عناصر القوات البحرية أعمال الاستطلاع البحري للأهداف المعادية، وتنفيذ عدة تشكيلات بحرية، وتنفيذ تمارين لتفادي الألغام والتصدي لهجوم العائمات السريعة والزوارق المعادية، والكشف عن الغواصات المعادية والتعامل معها.