ديوان الخدمة المدنية أصبح مصدراً معتاداً لقلق وارتباك جهات وموظفي الدولة بسبب بعض قراراته العجيبة التي يطالعنا بها بين الحين والآخر، وآخرها "الحوسة" الكبيرة حالياً في مختلف الوزارات بسبب قيام الديوان بالإيقاف المفاجئ لبرنامج النظم المتكاملة "وهو البرنامج المعني بالسلوك الوظيفي" من نهاية 2018 حتى اليوم بدعوى تطويره وترقيته، وللأسف فإن هذا الإيقاف بدلاً من أن يكون سريعاً ومؤقتاً فقد امتد عدة أسابيع مما سبب ربكة واضطراباً في عمل الوزارات، وأول مؤشرات هذا الاضطراب هو تأخير كل الوزارات في إعداد التقييمات السنوية للموظفين عن عام 2018 حتى اليوم بالمخالفة لقرار مجلس الخدمة المدنية رقم (36-2006) بشأن قواعد ومواعيد تقييم الموظفين، وبالتالي تعطيل الترقيات بأنواعها، وتأخير التعيين بالوظائف الإشرافية، وكذلك سيتم تأخير صرف الأعمال الممتازة السنوية ما لم يتدارك الديوان هذا الأمر ويعيد الأوضاع إلى نصابها.سبق للديوان أيضاً، وفي مثال آخر على قراراته التعسفية، أن استقطع نسبة 30٪ من التقييم السنوي للموظفين وخصصها للالتزام الشكلي والجاف بنظام البصمة ليضيق الخناق على الموظفين المخنوقين أصلاً بالزحمة المرورية المقيتة، وبتضارب دوام المؤسسات التعليمية، وبالشوارع التعيسة، وكان يفترض بالديوان أن يكتفي بما يتم خصمه على الموظفين من تأخيرات طوال السنة حسب لائحة قواعد وأحكام الدوام الرسمي الصادرة بالقرار (41-2006)، فلا يكرر عليهم العقوبات، وبدلاً من ابتكار الديوان حلولاً إبداعية للتسهيل على الموظفين وتيسير أعمالهم سارع وبعقلية جامدة وقديمة لفرض عقوبات إضافية متمثلة في الخصم من درجات التقييم السنوي، ليثبت لنا أنه ديوان هرِم وعاجز عن تقديم المبادرات الإصلاحية المنشودة التي تربط التقييم بالأداء والإنجاز والإبداع لا ببصمة أول الدوام وآخره.
في الصيف الماضي أيضاً أثار ديوان الخدمة احتجاجات الموظفين عندما أصدر تعميماً غامضاً بتعديل ساعات الدوام، وتغيير مواعيده في قرار يكشف عن نوعية القرارات الارتجالية التي تصدر من الديوان، وعدم مراعاتها للظروف الأسرية والاجتماعية للعاملين في الدولة، خصوصا مع ارتباط ساعات العمل بدوام المؤسسات التعليمية ووجود معاناة حقيقية ويومية لدى الأسرة الكويتية في هذا الجانب.إن المطلوب من ديوان الخدمة المدنية أن يواكب التطور العلمي والأدبي لمفهوم الإدارة العامة، فالعالم من حولنا يتسابق لتطبيق مفاهيم إدارية جديدة وخلاقة مثل الحكم الرشيد والحوكمة والأدوار الجديدة للحكومة وإعادة اختراع الحكومة، ومرحلة ما بعد البيروقراطية، في حين ما زلنا في الكويت نرزح تحت تخلف كتابنا وكتابكم وتوصيتنا وقراركم وبصمتنا وبصمتكم و"ربعنا وربعكم"، وهذا أحد أكبر أسباب التخلف العميق الذي يعانيه العمل الحكومي في الكويت، فمن يصحح هذا المسار ويصوّبه؟ والله الموفق.
مقالات
أوقفوا حوسة ديوان الخدمة المدنية!
29-01-2019