في 28 يناير 2009، وبعد مسيرة حافلة بالأعمال التلفزيونية والسينمائية، رحل أبو عبد البيروتي، في الذكرى العاشرة لغيابه، نظم نجله سعد خليفة لقاء في روما جمع لبنانيين وعرباً وأجانب، وجه خلاله نداء إلى وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم الرياشي ألا «ينسى «القبضاي»، الشهم والخلوق الذي أدى دور «أبو عبد البيروتي» بلا تفاهة أو مبالغة». أضاف في تصريح إلى الوكالة الوطنية للإعلام: «كان أبو عبد البيروتي رجلا فوق الطائفية والمذهبية والمناطقية، وكان كبيراً في فنه وفي وطنيته. كذلك، كان نقيباً للإطفائيين، فقد عمل في إطفائية الملعب (بيروت) لسنوات وامتاز بين زملائه بشعار الصراحة والاستقامة والشجاعة. كان وفياً لعمله ما جعل منه بطلا يشهد له كل من عمل معه في الإطفائية، لا سيما خلال الأحداث اللبنانية ودمار وسط بيروت والاجتياح الإسرائيلي (1982)، إذ أصرّ على أداء دوره وحيداً مع صديق له ولم يترك الثكنة يوماً واحداً وكانت العائلة تعرف أخباره عبر الصليب الأحمر».
أين هو التكريم؟
تواصل سعد خليفة مع اتحاد جمعيات العائلات البيروتية وطلب منه الاهتمام بتكريم والده، كذلك تقدم بطلب رسمي إلى رئيس بلدية بيروت لتسمية شارع في بيروت باسمه، واتصل بنقابة الممثلين لإحياء حفلة لتكريم والده، «لكن الجواب أن علينا الانتظار، فضلا عن حجج متكررة بعدم وجود موازنة لوزارة الثقافة في الوقت الحالي لكنه على جدول الأعمال». أيضاً وجه رسالتين إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري عبر مكتبه، طالباً منهما تكريم والده ولو بتسمية مدرسة في بيروت باسمه. ختم: «رحل والدي أحمد خليفة ولم يكرم كبطل في الاطفائية. رحل «أبو عبد البيروتي» ولم يكرم كفنان بيروتي ولبناني».زعيم شارع وحكواتي
لم يبتكر الفنان أحمد خليفة شخصية «أبو عبد البيروتي»، لكنه أول من جسدها على شاشة التلفزيون فدخلت بيوت اللبنانيين وقلوبهم، ذلك أن الممثل اللبناني خليل شحادة كان أول من ظهر بهذه الشخصية على خشبة «مسرح الفاروق» في وسط بيروت، وكان يقف أمام جمهور يدخن الأركيلة ويتناول أكياس المكسّرات، ويروي مغامراته ويهز الخيزرانة في يده في كل مرة يروي مشهداً عن خصومة أو عداوة وانتصاره فيها... لم تختلف شخصية «أبو عبد البيروتي» التي جسّدها أحمد خليفة عن تلك التي جسّدها خليل شحادة، فظهر على شاشة التلفزيون بقمبازه وطربوشه الأحمر وخيزرانته، لكنه أضاف شاربين مقوسين صعوداً، علامة القباضيات وزعماء الشارع والمقهى والرصيف والنرجيلة التي تلازمه. إلى جانب التمثيل، أدى «أبو عبد البيروتي» دور الحكواتي، لا سيما في الأمسيات الرمضالنية وكان يروي سيرة عنترة والمهلهل والزير سالم...مسلسلات وأفلام
أنتج تلفزيون لبنان سلسلة كوميديّة باسم «أبو عبد البيروتي» في نهاية الستينيات وبدايات السبعينيات، وأطلّ في شخصيته المعروفة في إذاعة لبنان، مجسّداً الرجل القبضاي الذي يدافع عن الحق ويتصدى للباطل. شارك في أفلام لبنانية ومسلسلات لبنانية وعربية من بينها: «نعم ولا»، «الفجر» (فيلم)، «سباق للزواج»، «المعلمة والأستاذ» (مع إبراهيم مرعشلي وهند أبي اللمع إخراج أنطوان ريمي)، «الضحيّة» (إخراج باسم نصر)، «ندم»، «كابتن بوب»، «فردوس الكلمات»، «بيوت من ورق» (فيلم)، «الضياع» (فيلم)، «غوار الطوشة»، «سفر برلك» (فيلم مع فيروز والأخوين رحباني)، «بنت الحارس» (فيلم مع فيروز والأخوين رحباني)...خصوصية وأصالة
يرمز أبو العبد إلى شخصية البيروتي البسيط والخفيف الظل الذي يضخم الأمور ليتباهى ببطولاته، ما يثير حفيظة أم العبد التي تسعى إلى عصرنته وتفشل. خلال الحرب التي عصفت بلبنان انتشرت طرائف نسبت إليه للتعبير عن سخط المواطن من القوى المهيمنة في الأحياء والشوارع.. على مدى مسيرته الفنية حقق «أبو عبد البيروتي» حضوراً محبباً بين فئات المجتمع المختلفة من سياسيين وفنانين وأناس عاديين ومثقفين... من بينهم الرئيس رفيق الحريري الذي رأى فيه رمز الشخصية البيروتية الأصيلة المحافظة على عادات أهل بيروت وتقاليدهم، وقد عمد فنانون شباب إلى تقليد شخصيته لكنه يبقى فريداً من ناحية التقمص الحقيقي والصادق للقبضاي البيروتي الذي يوازن بين القوة وطيبة القلب والدفاع عن المظلوم...